ثـــورة الكراسي
البراعم والريح (1)
بديهيُ أن الرياح هي التي تهز الأشجار، أو تقتلعها، أو حتى تجتثها ؛ وذلك يتوقف على مدى سرعة وضراوة تلك الرياح.
فما بالنا بتلك العاصفات لو سكنت أكثر من اللازم؟! فتخطت حدود المعقول،متناسية المواسم والفصول .
ساعتها سنتصور الأشجار وقد بقى وتراكم عليها حطاماً كثيراً من أوراق يابسات ،وغصون بليت ، لكنها لازالت ثابتة ٌبٍِرغم قوانين ونواميس الطبيعة التي تقول بأن لكل شىْ عمراً افتراضياً وأن لابد من تنحى تلك الأوراق اليابسة والغصون العقيمة الجوفاء لتتنفس البراعم وتخرج هي الأخرى إلى حيز الوجود فهي ليست مبتدعة ولكنها من أصل تلك الشجرة الطيبة .
ولنعش في جو الخيال للحظات حيث أرسلت تلك البراعم من أصل تلك الشجرة نداءات واستغاثات كثيرة لتتحرك الريح وتهب على تلك الأشجار فتتقدم الرياح لتلبية مطالب تلك البراعم من الغصون الجديدة فتغرر بها الغصون البالية ؛ فتصدر صفيراً تطرب لأجله الرياح أحياناً وترتعد منه أحيانا فترجع نسيماً تصيب مرام الغصون البالية وترجع الرياح المواتية ويظل الحال كما هو الحال مخيبة آمال الشجر .
لكن فجاءة ودون تراجع ترتفع العزائم وتعلو الهمم لتلك البراعم الغضة وتشب عن الطوق الناخر في أصلابه السوس لتحرك الريح التي استكانت وٌتهِشم وٌتكسر قدر المستطاع تلك الغصون المتعجرفة التي طالما أخفت عنها ضوء الشمس فتتحرك الرياح لنصرة الغصون الجديدة من أصل تلك الشجرة وتكمل ما بدأت تلك الغصون اليانعة الجديدة مكونة نظريات جديدة في علم الطبيعة .
وتصور معي الكم الهائل من تلك الغصون الجافة ناهيك عن الأوراق اليابسات التي رمت ؛ فليعمد صاحب البستان الغافل عنها من سني خلت للتخلص منها بحرقها أو بأي وسيلة شاء.
وتسمع بذلك باقي الأشجار في نفس البستان فتنهض وتستنفر الرياح هي الأخرى وتتكرر الإغراءات من الغصون العقيمة والأوراق اليابسة فتتقدم الهمم العالية لتعلن غضبها الجم، وأن من حقها كبراعم جديدة أن تتنفس الصعداء وأن تخرج هي الأخرى لترى ضوء الشمس .
وواقع الكراسي في الدول العربية لا يقل حالاً عما كان من أمر الأشجار والرياح التي سكنت أكثر من اللازم
فكم من كراسي ملت جلوس أصحابها عليها فما عليه تستيقظ فعليه تنام والحال هو الحال وكم سمعت تلك الكراسي بمؤامرات حيكت ضد الرياح وشاهدت أساليب قمع لمنع الشمس أن تخالط جنبات المكان
فما كان من تلك الكراسي الثابتة إلا وأن تستنفر الريح الساكنة، لتكون العاصفة الهوجاء التي تطيح بكل متشبث ساكن ظن أن تلك الكراسي عليه حكر وأنه لها باق .
نسترجع قول ربنا في محكم التنزيل ( تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير صدق الله العظيم) فكلمة (تؤتى) جاءت سهلة سلسة مثلما تؤتى الشجرة الثمرة عن طيب خاطر وكلمة (تنزع ) جاءت فيها عنف وشدة وتضحيات وذلك ليس استجداءً من النازع وهو الله ولكنه تشبث المنزوع منه وهو الإنسان .
وعودة إلى الأشجار والبستاني ألا يجب ويتحتم على تلك الريح الآن أن تهداْ، حتى تتنفس الغصون الجديدة وتستعيد هيكله (بناءها الشجري، ونموها الخضري، وأن تقوم بعملياتها من (النتح والبناء الضوئي) تحسباً لموسم الإثمار.
ولا يٌعفى البستاني مما جرى للشجر فهو مسئول إن لم يكون بشكل كبير كان دوماً ينظر تحت قدميه وهو يتبختر بين الأشجار فما كلف ناظره ليتطلع لأعلى حتى ولو أدمعت عيناه قرص الشمس .
وما تحتم على الأشجار والبستاني فعله فعلى الكراسي في الدول العربية وفى مصرنا الحبيبة أن تحذوه وأن نلتفت لأمورنا الداخلية ونرعى مصالحنا ونجعل الله الرقيب علينا حتى لايضيع منا الحلم الجميل ( وما أعيا الذئاب صحوة الراعي مثلما أعيتها وحدة الغنم )
محمد صادق // دمياط
نظرية جميلة..وممكن تناقش بعمق أكثر