بدأت ملامح الشرق الأوسط الكبير تتضح وهذا ما كنا نخشاه. أو لم نكن نصدقه حينما تم طرحه في أكثر من مناسبة علي لسان متخذي أو صانعي القرار في واشنطن. علي اعتبار انه نوع من الخرافات أو تكهنات لا طائل من ورائها. ولكن للأسف بدأ يأخذ طريقه إلي عالم الواقع. فها قد أعلن زعماء قبائل وقادة الميليشيات ببرقة شرق ليبيا الغني بالنفط منطقة تتمتع بحكم شبه ذاتي وكانت حجتهم ان برقة تم اهمالها بضعة عقود عن عمد. وأنها من الآن فصاعداً ستكون دولة في بلد اتحادي فيدرالي. وتأكيداً للخبر نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن هؤلاء انه بالفعل تم اختيار الشيخ أحمد الزبير الشريف السنوسي رئيساً لمجلسه الأعلي وأن المؤيدين للحكم الذاتي قالوا ان الاقليم سيتولي إدارة شئون الاسكان والتعليم وغيرها بينما تتولي الحكومة المركزية “طرابلس” الاشراف علي شئون الأمن والدفاع.
صراحة خبر انفصال برقة كان بمثابة الصاعقة ليس للنظام الحاكم في ليبيا الآن. وإنما بالنسبة للعرب. باعتبار ان هذا مقدمة لتقسيم البلاد إلي ثلاثة أقاليم هي: طرابلس في الغرب وبرقة في الشرق وقازان في الجنوب حيث كان هو السائد لمدة 10 سنوات عقب الاستقلال عن الاحتلال الإيطالي للبلاد. إلي أن تحولت إلي الحكم المركزي في أواخر عهد الملك إدريس السنوسي. حتي وطده القذافي الذي حافظ علي أركان الدولة طوال فترة حكمه وحتي الاطاحة به وقتله بعد قيام الثورة في ليبيا العام الماضي. للتخلص من حكم استبدادي وقهري دام حوالي 40 عاماً أخر فيها ليبيا قرنا من الزمان رغم ما وهبها الله من خيرات بينها البترول.
وردا علي هذا الإعلان الذي هو من جانب واحد عارض المجلس الانتقالي في ليبيا هذه الخطوة خوفا من تفتت البلاد وإعادتها إلي العصور الوسطي حيث القبلية والعصبية والتناحر. الأمر الذي جعل عبدالله إدريس عضو المجلس المحلي في بلدة جالو شرقي ليبيا يهدد بقطع إمدادات النفط عن بنغازي وهذه سابقة خطيرة إذا ما تم علاجها بحكمة وروية سيحذو حذو برقة بقية المناطق الراغبة في الانفصال عن جسد الأم.
الحقيقة لو تم ما أراد هؤلاء الانفصاليون ستكون كارثة ونكبة علي ليبيا كدولة ناهضة تريد تعويض ما فاتها وكدولة تتمسك بوحدة ترابها شأن أي دولة تحرص علي سيادتها وإحكام قبضتها علي كافة مناطقها. كما أنه لو تم ذلك سيشجع الآخرين في بلدان أخري علي الانفصال كما هو حادث الآن في العراق حيث هناك محاولات لتقسيم العراق إلي سنة وشيعة وكلوانيين وسورياليين بعد إعلان الأكراد الانفصال تماما غير مكتفين بالحكم الذاتي الذي يتمتع به منذ فترة طويلة. وكما يخطط له حاليا في اليمن حيث كثرة الدعوات لإعادة انفصال الجنوب وكما يخطط له أيضا في سوريا التي تشهد مذابح وممارسات وحشية وقمعية علي يد نظام الأسد. وكل هذا يخدم الصهاينة في المقام الأول. من منطلق اضعاف الدول العربية وتفتيتها إلي دويلات كي يسهل القضاء عليها. وفي نفس الوقت يخدم حلم الدولة اليهودية الكبري من الفرات ويساعد في قيامها بسرعة بعدما مهد لذلك بوش الابن حيث أطلق اسم الشرق الأوسط الكبير علي منطقة واسعة النطاق تضم كافة البلدان العربية بالاضافة إلي تركيا وإيران وأفغانستان وباكستان. وطرحه عام 2004 علي مجموعة الدول الصناعية الثماني وروجت له قناة الجزيرة فيما بعد لأنها ولدت من رحم هيئة الاذاعة البريطانية باللغة العربية. حيث تحاول اظهار الحركات الإسلامية كقوة مناهضة لأمريكا وتشكل خطراً علي سياستها. واشعال الفتن بين الأنظمة العربية ومحاولة الوقيعة بينها وإثارة النعرات المذهبية والعرقية. كما ساعده علي ذلك التمويل الأجنبي لبعض منظمات المجتمع المدني في مصر. والذي أثار ضجة خاصة بعدما تم السماح للمتهمين الأمريكان بمغادرة البلاد فجأة وبدون مقدمات. رغم أن من بين قرارات الادانة حيازة خرائط لتقسيم مصر إلي أربع دويلات مما يعد دليلاً قويا علي ما يتم التخطيط له بايعاز صهيوني لإعلان الشرق الأوسط الكبير.
مطلوب ألا ننساق وراء دعوات الانفصال كي لا نعطي الفرصة لهؤلاء المغرضين الكارهين لنا خاصة وأن المناخ الحالي فرصة مهيأة لتحقيق ذلك بأيدينا وليس بيد عمرو فالكثير من الدول العربية تشهد ثورات شعبية علي أنظمتها بعضها نجح مثلما حدث في تونس ومصر وليبيا واليمن والبعض ينتظر سوريا والآخر يحلم بذلك بعدما فشل كمحاولات كالبحرين. ناهيك عن بعض التظاهرات والمناوشات مثلما حدث في بقية الدولة الخليجية وأكثرها حدة في السعودية خاصة بالمنطقة الشرقية. الأمر الذي يعجل بالمخطط المريب الذي لا نتمناه والذي أوقعنا فيه للأسف حكامنا بظلمهم وطغيانهم ونرجسيتهم وحبهم للتوريث.
.. وأخيراً :
أقول لعقلاء برقة.. لا تدمروا ليبيا.. وانظروا للسودان والعراق.
عاصم بسيوني
احداث ليبيا
لا يا أهل برقة
اضيف بتاريخ: Friday, March 9th, 2012 في 01:29
كلمات جريدة احداث: احداث, ليبيا