أيها الناس .. إنْ أحدٌ منكم كان قد رأى ذاك الفتى .. عرفته في الغيب البعيد وفقدته قبل اللقاء وبلا عهود .. فتىً نشأ بين اليهود يدرس في مدارسهم .. ويلعب في أحيائهم لكنه غدا شاباً نظراً يشبه حقلاً نمت أشجاره باسقةً تتغنى بطرحها من ثمار العدل والمساواة والحرية .. ذاك الفتى هو حلمي في زمني الذي انقضى فأخبروه عني أنني هنا أمسيت حبيسةً أجلس قرب قلبه البعيد أتدفأ بنارٍ كاذبة وألملم المنى ..
وإنْ كان قد صادفكم شاباً من أقلية دينية نشأ في أقلية عربية مستضعفة وسط دولة يهودية لكنه استطاع أن يغدو شجاعاً ومقداماً كعهده دائماً يثير إعجابي وعجبي .. فذاك هو رجلي العربي .. فاخبروه أنني أنشدت فيه كل لحنٍ واستنفذت فيه بقية ضوئي ونفذ لأجله ظل قلبي .. أبلغوه بلهجة قوية ..صادقة وحقيقية عن حزني وكربي وعتبي ..
وإنْ يوماً كنتم قد شاهدتم أو صادقتم مخلوقاً دافئاً كان يعيش في بلاد الظلام حيث يتنامى البرد والحزن والعويل .. مخلوقاً غني العزم والإرادة كان يقطن إسرائيل .. تلك البلد سفيهة المعالم ذات المنبت الحرام .. ورغم هذا فقد شيَد حزباً وشن حرباً وقاد عرباً ..وأنبت فكراً تحت راية الجرأة والأمل والعناد حتى زحفت الحقوق سافرةً تصدح بلا خوفٍ في كل البلاد .. ذاك الفارس هو رفيق دربي ، انتظرته عشرات السنين حتى أبيض شعري ، وكنت قبله أتنفس من شقوق همومي .. وبعده أغلقوا عليَ قبري .. فأخبروه عني وعن قدري وقولوا له بأن علل الدنيا قد باتت تنهش في عقلي و قلبي .. وإنني لست بالمبتذلة ولم يغادر حيائي يوماً ولم يخنَي أدبي .. لكني والله لست أدري ما ذاك الذي يجري ؟!
أيها الناس يا عربُ ياأهل فلسطين يا أصدقاء صديقي يا سكان غزة والضفة والخليل إذا كنتم قد حدقتم فرأيتم يوماً عن بعد فراسخ في الأرض والسنين رجلاً حنون يراقب طفلة وهي تقبَل غيرها من الأطفال المعاقين في مشفى فيتوارد إلى قلبه يقينٌ بأنها من أهل الجنة .. وكأنَ أشعة شمس الفجر الدافئة تنير من عينيها البنيتين تنساب من الأهداب لتغطيه بشعور جميل ودافئ .. فإذا به يحضنها ويقبلها .. فذلك الإنسان هو حبيبي .. ذلك الغاضب الذي أطبق عليه الألم يزلزل أعماقه وهو يرى كائن صغير بقدمين ظامرتين يزحف بهما على الأرض .. إنه العام الذي أصيب فيه أطفالٌ في إسرائيل بالشلل بسبب المصل .. وأكاد أخمن أن غالبيتهم من أطفال عرب 48 .. فيظلون ينظرون إلى العالم من عين إعاقتهم نظرة لا تخلو من الاحساس بالظلم والأسى والعجز .. نظرة ربما ستكون هي الرفيق الوحيد .. ذلك الإنسان الذي تحول غضبه كافحاً بين يهود في ظل دولة تحتقن بالجبروت والحقد والقيود ..حتى سخر الله به لأولئك لأطفال مبلغا يعيلهم مدى الحياة بل وسنَ قانونا وفعل في دولة كإسرائيل ما لم تفعله بلداناً وجيوش
أخبروه .. بأنني قد قطعت وعوداً غليظة لربي بقطع دربي ودفن حروفي وبكائي ، وأنه والله ولو طاف الدنيا لما نال وفاءً كوفائي .. مع أني أتمنى لو أخلف وعدي كعهدي .. وأنني وإنْ كنت أقل لوناً من زهرةٍ بهية بين باقة الفتيات لكنني حملت له حباً لو قُدر بحساب القلوب لكنت الأولى منه بكل الولاء .. لكنهم البشر
وآخر معركتي فيك ..أنني شددت وثاق خوفي لأرحل إلى بيت الله أناشده أنْ يا إلهي أعطني ذلك الإنسان ولو غيرت الأقدار وبدلت الأوطان وسخرت لذلك من إنسٍ أو جان .. وحق بيتك الحرام يا مالك من أحب ويارب الأكوان استجب دعائي ..أو أمتني وارفع عني شقائي وبقائي ولست والله أندم علي حياةٍ عشتها أسيرة يتناثر فيها عمري وتتضاءل روحي ..أنتظر رحمة السجان حيث لا يتنامى فيها سوى القضبان