عصر شاليط الأول
لقد انتهى عصر شاليط الأول بكل أحزانه وأفراحه وأتراحه وعذاباته وشجونه ، انتهى لاحقا بعصر آسن قد انتهى أيضا بفعل الثورات العربية وخاصة الثورة المصرية ، لقد آثرت الصمت لأكثر من عامين وتحديدا منذ فشل التفاوض الغير مباشر بين حركة حماس والكيان الصهيوني حول الإفراج عن الجندي الأسير جلعاد شاليط بعد أن روجت وسائل الإعلام آنذاك أن الصفقة على وشك الانتهاء منها وبقي فقط بعض الأمور الإجرائية التي يجري التفاوض من اجل الاتفاق عليها ، وحين سمع أهالي الأسرى هذه الأخبار استبشروا خيرا بقرب لقائهم بأبنائهم المأسورين ، ولكن في ساعات قلائل انقلبت طاولة المفاوضات وفشلت فشلا ذريعا لم يتصور احد ان ترجع إلى درجة الصفر بهذه السرعة وقد كان ذلك برأيي المتواضع لعدة أسباب أهمها السبب الأخير الذي ساورده ضمن سياق حديثي والذي آثرت ان اصمت ولا اتكلم به حتى لا ينتشر بين الناس ولكي لا يصل بطريقة او بأخرى للكيان الصهيوني فيزداد عنادا في محاولة منه للحفاظ على هيبته التي مسخها أبناء العزة أبناء غزة حين مرغوا أنوف الصهاينة بتراب غزة.
ارتباك الصهيوني:
إن أول هذه الأسباب هو ارتباك العدو الصهيوني الداخلي فحساباته التي انشأ برامجها على مقاس الأنظمة العربية الحاكمة فشلت حين حاول تطبيقها مع حركة حماس ، فقد كان يستدعي جداول هذه البرامج ليطبقها حرفيا كما صممت وبكل سهولة على اي نظام له عنده مطلب ما ؛ فما يلبث أن يحقق ما يصبو إليه دون عناء يذكر ، ولنا في اتفاقات السلام مع مصر والأردن وفتح مكاتب في قطر وتونس والمغرب والتبادل التجاري مع الإمارات وغيرها من العلاقات مع موريتانيا وجنوب السودان وليبيا القذافي ؛ كل هذه المقابلات والعلاقات كانت تتم حسب ما خططوا له تقريبا وتوقعوه فكسبوا من وراء ذلك الكثير الذي لا يعرفه سواد الشعوب العربية ، أما مع حماس فالأمر يحتاج إلى قواعد لعب جديدة وأساليب وخطط لم يتدرب عليها الكيان الغاصب بعد ، وبالتالي فشل المرة تلو الأخرى في انتزاع أي نصر تفاوضي غير مباشر معها.
كنز إسرائيل :
ثاني هذه الأسباب والمؤلمة المدمية للقلب هو عدم نزاهة الوسيط الراعي للمفاوضات وانحيازه لصالح العدو الصهيوني وسعيه لفرض الاملاءات الصهيونية على حركة حماس ، واعني به كما فهمتم نظام مبارك المخلوع “رصيد وكنز إسرائيل الاستراتيجي” الذي ذهب مع الريح كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف ، وانقشع الغبار في مصر عن رجال انحازوا من جديد نحو الحق بعد سنوات طويلة من الذل والخضوع فتمت الصفقة بيسر وساهم الوسيط الجديد النزيه في تذليل العقبات بين الجانبين فحاز على إعجاب الطرفين والمحبين في المنطقة وأثار حنق وحقد الكارهين للثورة الساعين لإثارة القلاقل لكي تكره الشعوب الثورات وما أتت به.
شاليط الثاني:
عبر سنوات نضالها العسكري والسياسي والاجتماعي ؛ اكتسبت حركة حماس خبرات واسعة في مجالات عديدة وسعت لتطوير هياكلها التنظيمية لتصل الى اعلى المستويات في كل المجالات ومن اهم هذه المجالات التي سعت لتطويرها المجال الامني وانا لا اذيع سرا فهذا معروف لدي اعدائها مجهول لدي شعوبنا العربية ، هذه الخبرات التي اكتسبتها جعلتها تضع الحسابات والاعتبارات الامنية فوق كل اعتبار لسبب مهم تعيشه ليل نهار ألا وهو قوة وضخامة الجهاز الامني المقابل ( الموساد) وتدخل وكالة الاستخبارات الامريكية (C.I.A) على الخط لصالح ربيبتها اسرائيل ليصبح جهاز الامن لدى حركة حماس في مواجهة اعتى جهازي مخابرات في العالم ، ومطلوب من هذا الجهاز امام شعبه ان ينتصر عليهما لكي يجدد الامل في النفوس الحرة بان النصر للأمة آت لا محالة ، فالعبء ثقيل على كاهل هذا الجهاز.
هذه مقدمة بسيطة اردت بها ان الفت النظر الى المهارات التي اكتسبها افراد وهياكل الحركة التنظيمية وعلى رأسها جهازها الأمني، فتجد من هذه المهارات مثلا ضبط النفس امام اي استفزاز، وعدم التصرف بمنطق ردود الافعال، والغموض الذي يحيط بتحركات وتفكير وتخطيط افرادها، واستغلال العمل الجنائي المضاد ، وتفجير بالونات صوتية في مكان ما للفت النظر عن قنبلة تعد للتفجير في المكان المستهدف.
لقد كانت امام الحركة فرصة ثمينة خلال معركة الفرقان لأسر جنود جدد واعني بذلك توسيع دائرة الشواليط لتشمل شاليط الثاني والثالث واشلاء الرابع وبقايا الخامس ولكن حسب التمويه الإعلامي المقصود من كلا الطرفين تم قصف الأسيرين الذين تسربت أنباء إعلامية عن أسرهما، فكان لا بد من التخلص من هذا الخبر الإعلامي بطريقة أو بأخرى لكي يظل أسلوب الغموض هو سيد الموقف وتعلن الكتائب فشل عملية الأسر !!!
وعندما يوجه سؤال إعلامي عن جثث جنود قتلى تحصلت عليها الحركة خلال المعركة يكون الرد جاهزا بالنفي لصعوبة ذلك الأمر ولان المروحيات تتدخل فورا لإجلاء القتلى والجرحى ولانه مزروع في اجساد جنود الاحتلال أجهزة اتصال دقيقة تدل عليهم ويتم التعرف علي مكانهم من خلالها !!!
وعندما ينخفض سقف الأمل الإعلامي بالحصول ولو على تصريح بوجود بعض أشلاء جنود قابلة للتفاوض مستقبلا على عدد من الاسرى يكون الرد ايضا جاهزا ودبلوماسيا: “انا لانطلب اشلاءا ولكن نريد أسر جنود!!!
ويتبادر الى الاذهان سؤال استنكاري !! ولماذا تتم التعمية الإعلامية لهذه الدرجة ؟؟!!
إن الإجابة الأمنية التفاوضية على هذا السؤال تكمن في ان الحركة يجب ان تنتهي اولا من انجاز صفقة شاليط الأول لكي ترسي قواعد لعبة الأسر الجديدة من حيث عدد الأسرى ونوعيات محكومياتهم وطريقة الإفراج عنهم وعدد المبعدين منهم ……الخ ، فهذه القواعد حتى تاريخ انجاز الصفقة في 18/10/2011 لم تكن بعد قد ترسخت على الأرض ، وبالتالي يكون من الغباء السياسي والأمني الإعلان كرد فعل على اي استفزاز عن وجود أسير آخر أو جثة او جثث او حتى أشلاء !!!
ويقفز سؤال آخر الى الواجهة سريعا ؛ ولماذا يلتزم الكيان الصهيوني الصمت حيال فقدانه اسيرا آخر او جثثا او اشلاءا لجنوده بل ويعمل على التمويه والتضليل لشعبه ولأُسر الجنود عن طريق دفن اسمائهم دون اجسادهم في التوابيت، اواستبدال اجسادهم باجساد شهداء فلسطينين وعرب تحتفظ بهم منذ فترة لتأدية مثل هذا الغرض وذلك كله بهدف طمس هذا الامر اعلاميا ؟؟!!
ان الرد على ذلك يكمن ايضا في محاولاته المستمرة لإفشال قواعد لعبة الأسر الجديدة التي تحاول حركة حماس إرسائها لكسب مزيد من الوقت لتخليص شاليط بعملية عسكرية خاطفة ( وقد تمت بالفعل بعد معركة الفرقان وفشلت وكانت كمينا للعدو) او ( قتله) والحصول على جثته!! او حتى “قتله وتدمير مكان وجوده بالكامل” ؛ لكي يسقط في يد حركة حماس وتبوء محاولاتها بتحرير الأسرى بالفشل او سعيا منه لتخفيض سقف وأعداد مطالبات الحركة او حتى دفعها عبر اليأس الى اغلاق هذا الملف وعدم فتحه مرة أخرى لما يجلبه عليها وعلى شعبها من ويلات ودمار.
وكذلك تجنبا للفضيحة الإعلامية بان هناك شواليط آخرين لدى حماس، وتأجيل هذه الفضيحة أطول وقت ممكن تستطيع خلالها بناء منظومة أمنية جديدة لحماية حدودها وجنودها وإيجاد ردود سياسية تحفظ قليلا من ماء وجهها المراق تحت أقدام الأسرى البواسل ، ولذلك عمدت مرات عديدة بمساعدة الوسيط المصري السابق الغير نزيه إلى تعطيل وتأجيل وإفشال الصفقة عدة مرات .
فهل ستخرج علينا قناة الجزيرة بعد شهرين ونصف أو في الشهور الأوائل من العام الجديد 2012 بخبر عاجل يقول : حماس تطالب الوسيط المصري بالتدخل لإبرام صفقة تبادل الأسرى “شاليط2” ؟؟؟
ندعو الله ان نرى فرجه عما قريب
فوائد صفقة شاليط :
ان لهذه الصفقة التي تمت فوائد كثيرة تخطت حدود غزة والضفة وفلسطين المحتلة بل وتعدتها الى المنطقة بأسرها فلقد استفاد منها الداخل الفلسطيني على اختلاف انتماءاته واستفادت منها الحركة على المستوي الاقليمي واستفادت منها مصر والثلاث دول المستقبلة للمبعدين من الأسرى.
فائدة لحماس :
لا يخفى على احد مدى ما تحصلت عليه الحركة من فوائد من جراء هذه الصفقة فقد زادت شعبيتها حتى لدى المنضوين تحت ألوية فصائل أخرى ورسخت الاعتقاد لدى كثير من الأنظمة العربية والإقليمية أنها تكافئ دولة بكل معنى الكلمة ،وحصلت على كم كبير من المكاسب السياسية التي ستكون رصيد لها في المرحلة المقبلة إذا جرت أي انتخابات داخلية أو خارجية، ورسخت قناعة لدى المشروع الغربي الصهيوني باستحالة تفكيكها أو النيل منها بل والعبث معها.
فائدة لمصر:
تحصلت مصر من خلال هذه الصفقة على فوائد قيمة أعادت إليها دورها الإقليمي الرائد ورسخت لدى حركة حماس بان مصر الجديدة ستكون لها بمثابة أخوها الشرعي الكبير وذلك بعد أن ذهب أخوها اللقيط إلى مزابل التاريخ، وتحصلت مصر على مكسب داخلي مهم هو تهدئة الأوضاع الداخلية عن طريق ربط قلوب المصريين على اختلاف اتجاهاتهم بهذه الصفقة ودور مصر البارز والاهم فيها ، وجمع القلوب المتنافرة حول المجلس العسكري الذي يدير المرحلة الانتقالية والذي تصرف بحنكة بني أمية عندما أراد عبد الملك بن مروان وأبناؤه من بعده أن يشغلوا الناس في الداخل عن الصراعات الحزبية بتوسيع دائرة الفتوحات الإسلامية وتعظيم قيمة الجهاد لدى جموع المسلمين ، ففتحت البلاد شرقا إلى الصين وغربا حتى الأندلس وكان ذلك بداية العزة للدولة الإسلامية.
فوائد أخرى :
وتحصلت الدول الثلاث التي استضافت المبعدين على فوائد أيضا من هذه الصفقة تتلخص في تعزيز مكانة أنظمتها لدى شعوبها وذلك لما لقضية الأسرى من قيمة معنوية كبيرة لدى الشعوب فهم مفخرة للأمة قاطبة.
إذاً انتهى عصر شاليط الأول بكل ما كان يحمله ، ونتطلع بشغف لعصر شاليط الثاني الذي لن يطول إن شاء الله مثل سلفه لان الأيام ستحترق في السنوات المقبلة كما تحترق أوراق الشجر لكي توصلنا بجراحاتنا إلى عصر التمكين والعزة ؛ عصر الدولة الإسلامية !!.
بقلم/ أسامة حجاب
اسامة محمد علي
احداث فلسطين
عصر شاليط الاول
اضيف بتاريخ: Wednesday, November 16th, 2011 في 12:35
كلمات جريدة احداث: احداث, فلسطين
يارب يكون في شاليط تاني وثالث ورابع لغاية عشرة علشان يتحرر كل الاسرى ونخلي عندنا احتياطي كمان