زياد السحار

انتخابات الرئاسة

نرجوكم ارحموا الدين من السياسة

رحم الله الرئيس السادات.. كان في أواخر أيامه وخلال خطاباته إلي الشعب كثيرا ما يردد مقولة: لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين.
ورغم ان كثيراً من السياسيين خاصة من التيارات السياسية الدينية كانوا يختلفون معه في هذا الرأي.. إلا ان الأيام خاصة في الآونة الأخيرة في مصر بدأت تثبت صحة وجهة نظره هذه التي اكتسبها من طول باع وخبرته في العمل السياسي.
وفي تصوري انه إذا لم يكن هذا الأمر صحيحا من الناحية السياسية علي حد زعم البعض فأعتقد انه أولا وأخيرا من أجل مصلحة الدين الذي يفرض علينا ايماننا واحترامنا له أن نجنبه وننأي به دائما عن المنزلقات السياسية بأمواجها المتلاطمة وعواصفها الشديدة بل وروائحها الكريهة في معظم تفاعلاتها وتداعياتها وتدخل الأوراق في لعبتها من أجل مصلحة هنا أو هناك!
تذكرت مقولة السادات ونحن نتابع تداعيات وتطورات العملية السياسية في مصر بعد ثورة يناير.. وارتفاع نبرة الدين وغلبتها علي ايقاع الثورة ومصلحة الشعب في الخطاب السياسي العام بصورة غير مسبوقة وكأنها تعكس كبت وقهر سنوات طويلة غاب فيها سياسيون كانوا يتخذون الدين ذراعا لهم في العمل السياسي واليوم يتخذون السياسة ذراعا لهم في أحزابهم الدينية التي خرجت إلي النور تتحدث إلي الدنيا بلغة الدين رغم زعمهم جميعا بغير ذلك.
كانت مفارقة غريبة عندما بدأت مرحلتنا السياسية الجديدة بعد الثورة بكثر من السياسيين في البرلمان يغلبون لغة الدين علي لغة السياسة.. كانت البداية صادمة بالبعض الذي حاول التغيير في نص اليمين الدستورية أو القانونية لأعضاء البرلمان.. ثم فوجئنا بأحد النواب يؤذن داخل قاعة البرلمان في سابقة فيها مزايدة علي النواب جميعا اسلاميين وغير اسلاميين والأهم علي المصريين الذين أنفقوا علي الانتخابات البرلمانية أكثر من مليار جنيه لكي يأتوا بنائب سياسي يعبر عن مشاكلهم وقضاياهم وليس بمؤذن يقيم الشعائر اعتادوا أن يروه في المسجد وليس في البرلمان.
وعلي نفس الشاكلة المعكوسة في بلدنا هذه الأيام رأينا امام المسجد المنوط به الدعوة الدينية في المساجد يتخلي عن مهمته الدعوية ويعمل بالسياسة.. يلقب نفسه بخطيب الثورة يفتي في الدستور وقواعد الترشيح في الانتخابات وأولويات المرحلة الانتقالية.. ولا يكتفي بذلك بل يعمل مذيعا في القنوات الفضائية يتقاضي مئات الألوف لكبار مقدمي برامج التوك شو هذه الأيام.. ولا أدري أين وزارة الأوقاف المسئولة عن هذا التسيب الديني والإداري!
هكذا اختلطت الأوراق بين الدين والسياسة وتوالت المفاجآت بمحاولة السيطرة علي القوانين والتشريعات بإقحام الدين في الأمور الحياتية والقضايا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بطريقة معوقة لتقدم بلادنا لا يرضي عنها الله ولا شريعتنا التي تعرف السماحة وتحترم العقل وتفتح المجال واسعا للاجتهاد من أجل مصلحة المجتمع.
وتوالت بعد ذلك الصدمات المسيئة للاسلام والمسلمين من أناس كنا نوقرهم ونحترمهم كرجال دين. فلما دخلوا عالم السياسة نسوا قيمة الدين التي ربما كانت سببا لاختيار الناس لهم.. فرأينا أحد النواب يقوم بعملية جراحية لتجميل أنفه وكأنه نجم سينمائي جديد سوف ينافس حسين فهمي ونور الشريف.. ولا يكتفي بذلك بل يكذب أيضا ويدعي تعرضه لحادث سطو مسلح يزيد من حالة الفزع لدي الناس في ظروف الانفلات الأمني بدلا من أن يمارس دوره كنائب محترم يدعم الأمن والشرطة!
ثم كانت الصدمة الأخيرة لنائب من نفس هذا التيار الذي لم نسمع به إلا بعد الثورة.. تضبطه الشرطة بوضع شائن في سيارته في فضيحة مدوية لا أعرف كيف سيتصرف معه فيها حزبه.. والأسوأ ان لها مردودها السلبي علي رجال الدين الأطهار الذين شاء قدرهم أن يحسب عليهم البعض مثل هؤلاء السياسيين المتمسحين بعباءة الدين والدين منهم براء!
***
أرجو أن تراجع مثل هذه الأحزاب الجديدة التي خرجت من عباءة الدين قوائمها من السياسيين والأدعياء المحسوبين علي السياسة والدين معا.. لأن في سلوكياتهم وقصورهم السياسي وقلة خبرتهم ما يمكن أن يطيح بمستقبل هذه الأحزاب خلال العملية السياسية الديمقراطية في مصر خلال الفترة القادمة.
والأهم من ذلك أن تبرهن هذه الأحزاب انها أحزاب سياسية في المقام الأول بالأفعال وليس بالأقوال.. وأن تؤمن بقناعة المصريين وموروثها التاريخي والحضاري بأن الدين لله والوطن للجميع.. واننا جميعا كمصريين مسلمين وغير مسلمين يجب أن ننأي بالدين باعتباره عقيدة بل وشريعة في كثير من مبادئنا وقوانيننا عن هذه المنزلقات السياسية بمصالحها وأهوائها بل وألاعيبها.. وان من واجبنا كناخبين عادت إلينا حقوقنا السياسية أن ندقق ويكون لدينا من الوعي والمسئولية في الاختيار للأصلح والأفضل لمن يمثلنا ويعبر عنا في المحافل البرلمانية والسياسية حتي لا نصدم بعد ذلك بمثل هؤلاء الادعياء والمنافقين الذين يسيئون للدين والدنيا معا وسيكون جزاؤهم عند الله أشد وأنكي من غيرهم الذين كانوا واضحين أمامنا عندما كانت تزيف إرادة الناخبين في الماضي لهم.
علينا كمجتمع مسئولية التميير بشفافية ووضوح.. هذا رجل دين.. وهذا رجل سياسة.
صحيح ان التداخل موجود ولكن في القيم والمبادئ والمضامين وليس في المظهر الخادع أو الشكل البراق الذي تتوه فيه الحقائق وتختلط الأوراق.
إن شعبنا المصري متدين بفطرته وطبيعته.. ليس بحاجة لأحد لكي يزايد عليه ويزعم انه سوف يحكمه بالشريعة أو الدين.. لأنه لا إكراه في الدين.. والتربية الدينية هي شأن أسري اجتماعي تربوي له مكانه ومكانته بين المصريين.. الناس تذهب للصلاة يوم الجمعة دون حث أو إجبار.. الناس تصوم رمضان بوازع ديني فطري وموروث ديني حضاري عرفه المصريون منذ بداية التوحيد في العصور القديمة.
هكذا يجب أن ننأي بالدين عن السياسة.. وننأي بالسياسة عن الدين.. ورحم الله الرئيس السادات سابق عصره.. ونأمل من الرئيس القادم أي رئيس كان أن يدرك حقيقة المصريين وتقديسهم واحترامهم لدينهم الذي لن يسمحوا لأحد أن “يمرغه” في أوحال السياسة وأحوالها المتقلبة المتصارعة..!!

اقرأ ايضاً صفحات رأي متعلقة على جريدة احداث اليوم:

اضيف بتاريخ: Tuesday, June 12th, 2012 في 21:54

كلمات جريدة احداث: , ,

ردود to “نرجوكم ارحموا الدين من السياسة”

  1. khaled rmadan
    17/06/2012 at 11:44

    السلام عليكم كيف نفصل الدين عن السياسه وما هى السياسه اذاكان الدين لايصلح للسياسه على اى اساس الدبن حق والحق احق ان يتبع الدين دنيا واخره والسياسه دنيا والدنيافانياواذا كانت السياسه بتعارض الدين والدين لله فهل تقبل ان تعارض الله وماخلقت الجن والانس الا ليعبدون والعباده ليست صلاة فقط ولاقول بل عمل فى جمبع الحالات والرسول صلى الله عليه وسلم علمناكل شىء فى جميع الاحوال فى السلم والحرب وعلمناالشورى ولا يوجدفى الاسلام دولة دينيه والحكم من الكتاب والسنه الحلال بيين والحرام بيين اتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض هداناالله واياكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته ورضوانه

اترك تعليقاًً على هذا الرأي