صلاح الحفناوي

احداث مصر

الأغلبية والأقلية ومنطق التسلية

إذا غضب الله على قوم رزقهم الجدل وقلة العمل.. ونحن ضربنا الرقم القياسي في الجدل.. وتصدرنا العالم في قلة العمل.. وليس أمامنا سوي العودة إلى جادة الصواب قبل أن ينفرط عقد الوطن ونتحول إلى شراذم تتصارع على كل شيء وأي شيء.. وما تأسيسية الدستور وسباق المشتاقين إلى رئاسة المحروسة وأحاديث الأغلبية والأقلية والتخريجات السياسية العبثية سوي نماذج قليلة من كثيرة أصبحت سمة حياتنا.. وجعلت من رفعوا القبعات احتراما لثورتنا الشبابية الملهمة يعيدوها إلى رءوسهم ويكتفون بزم الشفاه امتعاضا ورفع الحواجب دهشة وسخرية.. وربما اشفاقا.
جدل عقيم.. جدل سقيم.. جدل يفقدنا صبر الحليم وعقل الحكيم.. جدل يكرر ما كان يحدث في عصر ظننا اننا ودعناه ونظام اعتقدنا اننا أسقطناه.. يستنسخ كل ما رفضناه وعانينا منه عقودا مرت علينا بطيئة ثقيلة.. ولنبدأ بالتأسيسية التي أعادتنا للوراء سنوات وسنوات واحيت في الذاكرة أسوأ الذكريات.. يوم أعلن الزعيم الأوحد والقائد الملهم أو الذي كان أوحد وملهما قبل السقوط المدوي: خليهم يتسلوا.. معلقا على إنشاء برلمان الظل كرد فعل احتجاجي على التزوير غير المسبوق في انتخابات برلمان 2010 والذي أضحك العالم علينا وأضحكنا على أنفسنا.. أليس ما يحدث الآن يجعلنا نهز الرءوس مرددين: ما أشبه الليلة بالبارحة؟.. ما الفرق بين مقولة التسلية في زمن المخلوع ومقولة الأقلية في الزمن الثوري الذي نعيشه الآن؟
الحقيقة التي يدركها جيدا من أصبحت مقاليد الرقابة والتشريع في ايديهم ان الرفض لطريقة تشكيل تأسيسية الدستور وللتركيبة التي خرجت بها علينا.. ليس عاديا ولا تعبيرا عن رأي أقلية.. ولا هو من باب التسلية.. ولا محاولة لفرض رأي القلة على الكثرة.. هم يعلمون ذلك ويتظاهرون بغير ما يعلمون.. وهذا هو أخطر ما يمكن أن نواجهه خلال المرحلة المقبلة لأنه يمكن أن ينقلنا من مرحلة الاختلاف في الرأي إلى مرحلة الصدام والصراع.
وليسمح لنا من أصبحت مقاليد الرقابة والتشريع في ايديهم أن نطرح عليهم بعض التساؤلات التي قد تبدو من وجهة نظرهم عبثية.. ولكنها من وجهة نظر الآخرين وأنا منهم مصيرية: هل الأزهر أقلية.. هل المحكمة الدستورية ينطبق عليها وصف الأقلية.. هل الكنيسة المصرية تصنف ضمن الأقلية بالمفهوم البرلماني الانتخابي.. هل نقابة الصحفيين أقلية.. هل ينطبق وصف الأقلية على كل من لم يدخل الانتخابات أصلا عازفا عن ممارسة لعبة التربيطات والمواءمات ومحاولات الاسترضاء بوعود غالبا لا تتحقق.. هل كل الأحزاب التي رفضت التشكيل وانسحبت من التأسيسية أقلية.. هل كل الشخصيات العامة التي أعلنت رفضها صراحة لطريقة اختيار أعضاء التأسيسية أقلية.. هل كل الفقهاء الدستوريين وعلماء القانون الذين تفخر بهم مصر والذين خلت منهم التأسيسية.. أقلية؟.. وإذا كانت كل فئة تمثل أقلية من وجهة نظر الأغلبية البرلمانية.. فهل يبقي الأمر كذلك عندما يجمعهم الرفض ويحركهم الخوف على الوطن؟
وبرغم كل ذلك أقول لأصحاب الأغلبية البرلمانية: لنفترض جدلا انكم الأغلبية الغالبة على مجمل أطياف المجتمع.. ألم يكن من الأجدي والأنسب في ظل ظروفنا الراهنة أن تتسم الأغلبية بالحلم.. وأن تسعي وقد انتقلت من وصف المحظورة والمقهورة إلى سدة السلطة ورأس المسئولية.. إلى احتواء الأقليات الرافضة بحلول توافقية تؤكد الفارق بين أن تكون مطاردا مضطهدا محروما من أبسط حقوقك في التعبير والمشاركة.. وبين أن تكون قائدا مسئولا متمتعا بتأييد قطاع كبير من أبناء الوطن؟.. أقول لهم أليس التوافق أفضل من منطق غلبة القوة ومنطق السطوة؟.. هل تعتقدون ان أصحاب الأغلبية البرلمانية الحالية سيبقون كذلك مدي الحياة.. وماذا لو تحولوا إلى أقلية في انتخابات برلمانية قادمة.. هل سيسقط الدستور الذي أعدته تأسيسية لهم فيها الغلبة العددية.. وتم إقراره في ظل ظروف نعلمها جميعا.. يسود فيها منطق التكفير.. وتعلوا الحناجر على منابر المساجد رابطة بين صحيح الإيمان وبين اختيار أشخاص بعينهم للبرلمان وللرئاسة وللتأسيسية وللدستور.. أصوات تؤكد ان من يؤيد غير الأحزاب الاسلامية والجماعات الدينية كافر وزنديق.. على أساس ان الطهر مرتبط بهم.. والايمان الصادق حكر عليهم.. وهو نوع من الضغط المعنوي المؤثر جدا على قطاع كبير من أبناء الوطن.
لقد كنت من بين من تصدوا لمحاولة التشكيك في نتائج الانتخابات البرلمانية مستندين إلى أن الضغط الذي مارسه أئمة المساجد ورجال الدين الذين مارسوا الدعاية الانتخابية للسلفيين والاخوان يمثل شكلا من أشكال التزوير المعنوي الذي لا يقل خطورة عن التزوير المادي.. كنت من بين المرحبين بالأغلبية التي حصل عليها الاخوان رغم تحفظي الشخصي على فكرة الدولة الدينية أو ممارسة العمل السياسي باسم الدين.. وكانت حجتي في ذلك انه بعد سنوات طويلة من إهدار كرامة صناديق الانتخاب آن الأوان لكي نحترمها أياً كانت النتائج.. وان الاخوان من أكثر أطياف المجتمع اسهاما في دفع نفقات استعادة الحرية بما تعرضوا له من اضطهاد وظلم.. وان الإخوان هم أكثر التنظيمات ارتباطا بالشارع وهو ما يؤهلهم إلى القيام بدور مهم في مجال استعادة الاستقرار المفقود.. وهذه بالتحديد نفس الحجج والمبررات التي تدفعني إلى دعوتهم لمراجعة الكثير من موافقهم وقراراتهم.. حتى نتخلص من نقمة الجدل.. ونعود إلى واحة العمل والأمل.

اقرأ ايضاً صفحات رأي متعلقة على جريدة احداث اليوم:

اضيف بتاريخ: Sunday, April 8th, 2012 في 11:08

كلمات جريدة احداث: , ,

اترك تعليقاًً على هذا الرأي