على جمجوم

احداث مصر

مهمة العقل الوحيدة عند السلفيين…محاكاة التراث

صميم الثقافة العربية _ والكلام للدكتور زكى نجيب محمود _لا فرق فى ذلك بين قديمها وحديثها _ هو أنها تفرق تفرقة حاسمة بين الله وخلقه،بين الفكرة المطلقة وعالم التحول والزوال،بين الحقيقة السرمدية وحوادث التاريخ،بين سكونية الكائن الدائم ودينامية الكائن المتغير،فالأول جوهر لا يتبدل،والثانى عرض يظهر ويختفى،على أنها تفرقة لا تجعل الوجودين على مستو واحد،بل تتخذ من عالم الحوادث رمزا يشير الى عالم الخلود

أنصار القديم أو الرجعيون (السلفيون) هم الذين يلوذون بالمبادىء نفسها وبالقواعد نفسها،وبالصورة نفسها التى ميزت الثقافة العربية الكلاسية،والتى قلنا عنها أنها فى صميمها تفرقة بين عالم الأزل وعالم الزوال

ولم يكن ذلك البناء الهيكلى للثقافة العربية فى صميمها،ليكون ذا معنى،لولا أن جانب الثبات والدوام من بنائه،بالقياس الى جانب التغير والزوال،يشتمل على مجموعة “القيم ” التى يناط بها توجيه السلوك والمفاضلة بين ا؟لأفعال،فليست معايير الانسان التى يحتكم اليها من صنعه _ بناء على هذه النظرة الثقافية _ بل هى مفروضة عليه،وهى انما فرضت عليه لأنها بمنزلة ” الحق ” الموضوعى الذى لا قبل للانسان أن يغيره أو يحوره (هذه ملاحظة تستوقف النظر فى كلام الدكتور زكى نجيب محمود )،فهل فى وسع الانسان أن يغير من طبيعة المثلث أو المربع،فيجعل المثلث محوطا بخمسة أضلاع اذا شاء ؟ كلا،فهكذا المثلث بحكم تعريفه،أن تحيط به ثلاثة أضلاع،وكذلك قل فى العدل والصدق وغيرهما من معايير السلوك،ثم نتوسع قليلا فى هذه المعايير الثابتة،فاذا هى المبادىء كلها والقواعد كلها،التى تهدى الانسان فى نشاطه،كائنا ما كان هذا النشاط،من عبادة المتعبد الى فروسية الفارس،ومن توقيعات الموسيقى والغناء،الى زخرفات الفنان وتفعيلات الشاعر…معايير هى التى فى مجموعها تصنع ” الذوق ” العربى على جميع مستوياته،من “الذوق ” الصوفى الى “ذوق ” الناقد الأدبى،وهى معايير لو حللتها_ ألفيتها على تنوعها تلتقى فى نهاية الأمر عند نقطة مشتركة،وهى أن الوقائع الجزئية الماثلة على مرأى البصر أو على مسمع الأذن،تنتهى بك _لو تعقبتها الى أصولها الأولى _ الى فكرة مطلقة ثابتة،لا يوصل اليها عن طريق التجريد والتعميم من خبرات الحياة الجارية،بل هى فكرة “أولية ” ( هل أحسست بالمصيبة..انعدام المنهج التجريبى ) _باصطلاح الفلاسفة فى ذلك _يجدها الانسان مغروزة فى فطرته اذا هو استبطن فطرته،أو يستدلها من ظواهر الكون اذا هو نفذ خلال تلك الظواهر الى جوهرها الباطن

ومن هنا كان بين الأسس العميقة فى بناء الثقافة العربية الصميمة أن تكون ” للارادة ” أولوية منطقية على ” العقل “،فالارادة ” فعل ” ،والفعل باطنه ” قيمة ” توجهه،وما دامت مجموعة القيم قائمة أمامنا،لم نصنعها،بل نشخص اليها لنحذو حذوها،فلم يبق “للعقل ” اذن من مهمة بؤديها الا أن يرسم الطريق المؤديةالى تحقيق ما تقتضيه تلك النماذج العليا المنصوبة أمامنا،ومعنى ذلك

………………………………………

أن مجال “العقل ” منحصر فى دنيا التنفيذ

………………………………….

بحيث نلتمس به السبل المؤدية الى الغاية المطلوبة،أما الغاية نفسها فلا شأن له بها،لأنها تنتمى الى عالم القيم

فليختلف الناس كيف شاءوا فى أى الطرق يسلكون،لكن الغايات مرسومة لهم،تسدد الخطى كأنها أنجم السماء تهدى السائرين فى تيه الفلاة

هذا كان جزء من مقالة

الأصالة والتجديد فى الثقافة العربية المعاصرة

للراحل العبقرى الدكتور زكى نجيب محمود

من كتابه

ثقافتنا فى مواجهة العصر نقلت ما نقلته بتصرف يوضح عنوان النوت

فهل ياترى وفقت فى ذلك ؟

اقرأ ايضاً صفحات رأي متعلقة على جريدة احداث اليوم:

اضيف بتاريخ: Saturday, March 31st, 2012 في 23:28

كلمات جريدة احداث: , ,

اترك تعليقاًً على هذا الرأي