على جمجوم

احداث مصر

الأصول المصرية للعهد القديم

لا يمكن لمن يقرأ “العهد القديم”،مهما كان شديد الانصياع سريع التصديق،أن يغفل عن مشكلة مؤلفى ذلك الكتاب ومحرريه مع مصر.وهو ليس بحاجة من مبدأ الأمر،لأكثر من اليقظة التى ينبغى أن يحرص عليها كل من أراد التعامل مع ما يقرأ بعقله وهو فى حالة صحو،لا بأخيلته وهو فى حالة خدر أو نوام.وتلك اليقظة حرية بأن تنبهه الى اللازمة التى تتكرر_أكثر من أى لازمة أخرى استلزمها الحكى الفولكلورى_بالحاح ثقيل وتركيز كثيف منبهة الى فضل يهوه على الشعب اذ من مصر التى ظل الشعب يعول فى القفر مترحما على خيراتها التى خلفها وراءه.وتحت تأثير الدافع الذى حدا بالمؤلفين الى ذلك التركيز على ذلك الفضل العظيم،اتخذت الحكاية اتجاها بدا يهوه فى سياقه أشبه برجل شرس مفتول العضلات باحث عن شجار يستعرض فيه عضلاته متربص برجل آخر،هو فى الحكى فرعون،آخذ فى استفزازه ونخسه ودفعه كيما “يتمجد” فيه بضربه ضربا مبرحا واصابته بعاهة مستديمة ربما.وفى حكيهم عن ذلك العراك،ظل من ألفوا الحكاية يتغنون بما تمجد به نصيرهم مفتول العضلات يهوه،من أفعال فعلها المصريين نتيجة لما ظل يدسه فى قلب فرعون من حرونة مألوفة فى شخصيات الحكاية الفولكلورية التى تجلب المصائب على رؤوسها بقلة عقولها.ولم يلتفت المؤلفون هنا،كما لم يلتفتوا فى أى موضع آخر من تأليفهم،الى الصورة غير المقبولة التى أظهروا بها شخصية الاله.فهمهم ظل منصرفا الى اعلاء “الشعب” فوق مصر وأهلها من خلال ما بدا لهم كأضمن وسيلة لاعلاء اله “الشعب” ،الذى كان جديدا،وكانوا آخذين فى الترويج له،فوق آلهة المصريين.واعتقادنا أنه ما من سبيل الى التعامل مع هذا النوع من الكتابات المقدسة الا من واقع مضامينه،باستخدام

مناهج التحليل “الأدبى” والتاريخى.وتاريخيا،لا وجود لأى برهان تاريخى أو أثارى على صحة الحكى فى سفر الخروج عن المباريات السحرية التى أصيبت مصر قصصيا،فى غمارها ب “الضربات العشر”.أما “أدبيا”، أى بمعيار النقد الأدبى للحكى الفولكلورى،ومع أخذنا فى الحسبان لضرورة احتواء الحكاية الفولكلورية على قدر من اللامعقول والفانتازى،يظل من الواضح أنه لو كانت الحكاية سردا لوقائع خروج من مصر كان القائم به اله وصف دائما وبالحاح فى “العهد القديم” بأنه قادر على كل شىء،لما كانت قد باتت بأحد حاجة الى الدخول فى مباراة سحرية مع سحرة المصريين،لأن يهوه كان قادرا على الاخراج دون مشقة وبغير حاجة الى الاشتباك فى ذلك الصراع الميلودرامى مع فرعون وسحرته وآلهته،وهو صراع تراءى يهوه فى غماره لا كاله،بل كملك أرضى مشتبك فى صراع مع ملك آخر هو فرعون.ولما كانت جماليات الفن لا تنفصم عن أخلاقياته،بدت حكاية الخروج مفتقرة الى الجماليات والأخلاق معا.فبصرف النظر عن أن فرعونا تراءى فيها،بمنطق الحكى،كضحية لخبث يهوه الذى ظل “يقسى” قلبه،قبل كل ضربة،كيما “يتمجد فيه”(ينتصر عليه،يعلوه،يركبه) مرة أخرى،لم يكن للمصريين كبشر،كما هو واضح،أى ذنب فى ذلك كله،بمنطق الحكى،اذ ظلوا يحثون فرعونا على أن يطلق “الشعب”،وعندما أطلقه أخيرا،أعطوا ذلك “الشعب” ذهبهم وفضتهم وثيابهم وكثيرا من الطعام والماشية.فلم يخرج من بلدهم بيده فارغة

وعلى ضوء ذلك يثور التساؤل : لم كانت كل تلك المصائب التى انصبت على أدمغة المصريين فى الحكاية التى ألفها كهنة “الشعب” من الخروج ؟

من كتاب السحر فى التوراة والعهد القديم

لشفيق مقار

ص 84 و 85

اقرأ ايضاً صفحات رأي متعلقة على جريدة احداث اليوم:

اضيف بتاريخ: Sunday, March 18th, 2012 في 12:29

كلمات جريدة احداث: , ,

اترك تعليقاًً على هذا الرأي