على جمجوم

احداث مصر

البعد السياسى لقضية مياه النيل فى مصر

البعد السياسى فى قضية مياه النيل فى مصر

الدول فى العالم مثل قطع الشطرنج على الرقعة – فمثلما كل قطعة شطرنج تستمد قوتها الحقيقية من خلال علاقاتها ببقية القطع على الرقعة – فهكذا حال الدول فى العالم.

كل دولة تستمد قوتها وضعفها من خلال علاقاتها ببقية الدول. أمن مصر القومى ليس محصوراً داخل حدود مصر فقط، بل أيضاً خارج مصر. قضية مياه النيل وحصة مصر منها من أهم قضايا الأمن القومى فى مصر – وعليه فإن علاقة مصر بأفريقيا التى تضم دول حوض النيل علاقة فى غاية الأهمية لتأمين حصة مياه النيل الخاصة بمصر.

ففى الحقبة الناصرية كان توجه مصر السياسى فى محاربة الأستعمار واضح وجلى – وكان عبد الناصر يساند الحركات التحررية فى بلدان أفريقيا من الاستعمار الانجليزى والفرنسى – كما تم إنشاء شركة النصر للأستيراد والتصدير فى عهد عبد الناصر وكانت تديرها المخابرات المصرية وقتذاك فكانت بمثابة سفارة مصرية فى دول أفريقيا. وبذلك كانت دول أفريقيا تؤيد سياسة مصر فى عهد عبد الناصر وتقاطع إسرائيل وتساند مصر فى كافة القضايا الدولية وبالطبع لم تكن هناك نوايا لسياسات دول أفريقيا بخصوص مياه النيل تضر بمصر.

نستطيع أن نقول أنه كانت هناك علاقات إقتصادية ناجحة فى عهد عبد الناصر لأنه كانت هناك سياسات ناجحة مع دول أفريقيا. فالبوصلة السياسية هى التى تُنجح العلاقات الاقتصادية.

البوصلة السياسية فى عهد عبد الناصر كانت تتفق مع البوصلة السياسية لدول أفريقيا فى رفض الاستعمار والأمبريالية، وعليه كانت العلاقات ممتازة مع أفريقيا ودول حوض النيل من ضمنها فكانت قضية مياه النيل فى أمان.

ماذا حدث بعد نهاية الحقبة الناصرية، وبالتحديد منذ توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل والأنضواء الكامل تحت عباءة السياسة الأميريكة والانحياز الكامل لها فى عهد الرئيس أنور السادات وعلاقة ذلك بقضية مياه النيل؟

سؤال كبير يتطلب الاجابة عليه تأملاً وجهداً.
بنى السادات سياسته الخارجية لمصر على مقولته الشهيرة “أن أمريكا تمتلك 99% من أوراق اللعبة” – أية لعبة؟ لعبة السيطرة على مقدرات أمور السياسة فى عالمنا العربى والعالم الأفريقى – بل والعالم كله – ولا يخفى أن أمريكا دولة قبيحة الوجه بالنسبة لدول كثيرة فى العالم الثالث ومن ضمنها الدول الأفريقية.

وبالنظر إلى أن لعبة السياسة الدولية تعتنق النظرة البرجماتية (العملية – المصلحية – النفعية) على وجه العموم فإن ما كان يُلجِم تلك الممارسة البرجماتية بالنسبة لسياسات الدول الأفريقية قد أنتهى بإنتهاء عهد عبد الناصر وإهمال الدائرة الأفريقية منذ عهد السادات وبالذات بعد توقيع اتفاقية السلام المصرية – الإسرائيلية والأنضواء الكامل تحت لواء السياسة الأمريكية بالنسبة لمصر.

ومن هنا انفك أسر البرجماتية السياسية مما كان يكبحها بالنسبة لدول أفريقيا، ومنها بالطبع دول حول النيل – وباتت كل دولة تبحث عن مصالحها متحررة من كل إلتزام يخص مراعاتها للشأن المصرى ومنها قضية مياه النيل. ومما ساعد على ذلك أيضا كنتيجة هو تدنى ثقل مصر السياسى فى العالم منذ تلك الاتفاقية المشئومة ولم تعد مصر سيدة قرارها فى مجال السياسة والاقتصاد، وكل قراراتها أصبحت محكومة بموافقة أو عدم موافقة أمريكا ومن خلفها إسرائيل. وأستمر هذا الوضع حتى نهاية عصر مبارك ونهاية عصر الرئيس المعزول محمد مرسى.

ويكفى أن نقول أن أمريكا لا تسمح لمصر بزراعة محصول القمح – وهو محصول استراتيجى – إلا بقدر محدود حتى لا تستطيع مصر أن تكون مكتفية ذاتيا من هذا المحصول الاستراتيجى – وتصبح دوماً تحت رحمة استيراده من الولايات المتحدة الأمريكية ليكون منعه سيف مُسلَط على رقبة مصر.

وقل مثل ذلك عن محصول القطن المصرى طويل التيلة “يقولوا لنا : أزرعوا كنتالوب ذى ما أنتو عايزين – لكن القمح لا – لابد من موافقتنا”.

ويكفى أن نتذكر قضية القبض على الصحفى الراحل مصطفى أمين فى قضية التخابر مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية سنة 1965 التى كانت أحدى التهم الموجهة إليه هى إعلام أمريكا بكمية احتياطى القمح فى مصر لنعرف كم كانت أمريكا تهتم بمحصول القمح للضغط والسيطرة على مصر – ولنعرف كم كان القرار المصرى السياسى حراً فى العهد الناصرى.

المطلوب هو تحرير الإرادة السياسية والقرار السياسى المصرى لكى ننجز أى شئ لصالحنا – فلن نستطيع إقامة علاقات سياسية جيدة مع أفريقيا ودول حوض النيل واتفاقيات معها تُحتَرم – وتكتلات اقتصادية معها إلا بعد تحرير الإرادة السياسية والقرار السياسى المصرى – وذلك لن يتم إلا بالاستغناء عن المعونة الأمريكية وإعادة النظر فى معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية – كيف؟ هذه مهمة رجال السياسة فى مصر.
ملاحظات

1- يمكن الرجوع لمحمد حسنين هيكل فى كتابه: بين الصحافة والسياسة الصادر عن مؤسسة الأهرام – بخصوص قضية تخابر مصطفى أمين مع المخابرات الأمريكية.

2- يمكن الإطلاع على موضوع القيود الأمريكية المفروضة على مصر بخصوص زراعة القمح فى مقالة: “القمح المصرى … واشنطن تضع القيود .. ومحتكرون يجنون” على شبكة الإنترنت – صحيفة الوفد المصرية 22/10/2005.

3- كموضوع ذو صلة بالتنمية فى مصر – يمكن الإطلاع على موضوع :

“مشروع ممر التنمية والتعمير للعالِم المصرى /فاروق الباز” على شبكة الإنترنت.

اقرأ ايضاً صفحات رأي متعلقة على جريدة احداث اليوم:

اضيف بتاريخ: Tuesday, January 7th, 2014 في 11:20

كلمات جريدة احداث: , ,

اترك تعليقاًً على هذا الرأي