د.صلاح هاشم

احداث مصر

الجياع قادمون في مصر

كثير من العامة غير المثقفة والشباب يعتقدون استحالة تعرض مصر لمجاعة. وأن الخوف من ثورات للجياع ليس مبرراً.. فمازال في أذهانهم أن مصر هي سلة الغلال في المنطقة العربية. وقد نسوا أزمة الخبز وطوابير العيش التي ترصدها أعيننا كل صباح. وصدقوا كلام الخواجة عندما قال إن مصر بها من الموارد ما يكفي لإطعام ربع أوروبا. وقد تناسوا أزمة المياه التي نعيشها ولم ينته التفاوض بشأنها حتي الآن. وأن الحرب القادمة هي حرب المياه. فضلاً عن مشكلة التصحر التي تجتاح بشدة الأراضي المصرية.. فعندما صدقوا كلام الخواجة ذكروني بالمجوسي الذي خدع عمر بن الخطاب حينما قال له حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر.. فصدقه عمر فقتله مجوسي آخر.. فالاعتقاد بعدم وقوع المجاعة هو نوع من التسكين أو ضرب من العبث السياسي غير الممنطق. والمضلل لخطوات الثورة والشعب نحو مستقبله المنشود.. فتعرض مصر لمجاعة كارثية هو أمر متوقع بلا ريب. فقد جاعت مصر وهي دولة رائدة لحضارات العالم. فلا يخفي علينا ثورة جياع الفراعين ضد الملك بيبي الثاني الذي حكم البلاد لأكثر من تسعين عاماً أكل فيها المصريون لحوم موتاهم. وعرفوا المقابر الجماعية ومهنة الحانوتية لأول مرة في التاريخ. وعاني المصريون من هذه الثورة أكثر من مائة وثمانين عاماً.. ولم ينس التاريخ ما شهدته مصر إبان الحكم الإسلامي من مجاعات وثورات تجاوز عددها أربع عشرة ثورة حتي وصل بالناس أن أكلوا بعضهم أحياءً. وأكلوا القطط والكلاب في عهد المستنصر بالله الفاطمي. وهو ما عُرف في التاريخ بالشدة المستنصرية التي وصل رغيف الخبز فيها ألف دينار!!.. ودائماً كانت إطالة فترة الحكم وتكريس فكرة التوريث سبباً كافياً لظهور المجاعات. فكلما طالت فترة الحكم قويت شوكة الحاشية حتي فاقت سلطة الحاكم. ومن هنا يستشري الفساد. وتأتي المجاعات ويحدث الفوران الثوري.. ولعل مبارك وحاشيته من أحمد عز وصفوت الشريف وغيرهم أمثلة دامغة علي ذلك. فقد انتهي حكم مبارك بمقدمات كافية لوقوع ثورة الجياع.. فقد وصل بالمعدمين في عصر مبارك أو أوصوا ببيع جثثهم فور موتهم حماية لأبنائهم من الجوع. حيث صارت الجثث إرثاً لأبناء المعدمين. فكثيراً ما سمعنا عن أناس أوصوا ببيع قرنياتهم أو أعضاء من أجسادهم بعد موتهم.. فضلاً عن انتشار بيع وسرقة الأعضاء. والدافع وراء هذه الجرائم وفي كل الأحوال كان الجوع. الأمر الذي جعلنا نتكهن بثورة للجياع قبل ثورة 25 يناير وما بعدها.. خاصة إذا استمر ذلك الهرج السياسي الذي يعمل بشدة علي إطالة فترة الغليان الثوري.. من خلال زيادة الظروف الاقتصادية الضاغطة علي فقراء الشعب والدافعة لهم باستمرار إما للجريمة وإما للميدان.. فلم نلحظ تغييراً ملحوظاً في سياسات حكومات ما بعد الثورة عن سابقتها. فالخلفية والعقلية واحدة.. كما أن الكشف عن أسماء المرشحين للرئاسة يجعلنا نفقد الأمل في ثمار الثورة أو في جودتها.. فماذا يعني مثلاً الاستعانة بقيادات في عهد مبارك لقيادة مصر في مرحلة الثورة. فهل ثورتنا كانت رفضاً لمبارك كشخص أم لنظام بأكمله. شارك هؤلاء جميعاً في نعته بالفساد؟!.. وهل الاستغناء عن وزير بعينه أو حكومة بعينها يعني تخلصاً من نظام مبارك؟!.. الإجابة: لا.. فمازال وكلاء الوزارات وهم الأيدي الفاعلة المباشرة والضليعة في كل فساد قابعين في كراسيهم يمارسون أعمالهم بعقلية النظام المخلوع.. وكان يجب علي حكومات ما بعد الثورة تنظيف هذه الأماكن والإتيان بعقليات جديدة ربما كان الوضع قد تحسن أفضل من الآن.. وماذا يعني الإصرار علي أن يكون رئيس الجمهورية ومعظم القيادات قد تجاوزت أعمارهم السبعين عاماً؟!.. ولماذا الإصرار علي الاختيار علي أسس دينية بحتة دون الاحتكام إلي عنصري الكفاءة والتجربة؟!.. فإذا استمر الوضع هكذا.. فأبشروا.. الجياع قادمون..

اقرأ ايضاً صفحات رأي متعلقة على جريدة احداث اليوم:

اضيف بتاريخ: Monday, March 12th, 2012 في 01:11

كلمات جريدة احداث: ,

اترك تعليقاًً على هذا الرأي