محمد أبو كريشة

احداث مصر

حال مصر الان

لا شك أنكم تعرفون مثلنا العامي البليغ: “العايط في الفايت نُقصان عمر.. وأحياناً نُقصان عقل”.. ومصر الآن وأمس واليوم وغداً لم تغادر منطقة “العايط في الفايت”.. والعايط قد يعني البكاء وقد يعني العواء والنبح.. فالذين يبكون علي الماضي يمارسون “العايط”.. والذين يلعنون الماضي يمارسون نفس “العايط”.. فلا خير فيمن يحن إلي الماضي. ولا خير فيمن يلعنه.. والذين يبكون الماضي يقولون: ما رأينا فيه شراً قط.. والذين يلعنون الماضي يقولون: ما رأينا فيه خيراً قط.. وهؤلاء وهؤلاء ليسوا علي شيء.. ونحن ملوك الشطب في العالم كله.. نشطب الشر كله من عهد يعجبنا.. ونشطب الخير كله من عهد لا يعجبنا.. وآفتنا التطرف والغلو.. تطرف مع الشيء أو تطرف ضده.. وقد وصف الصدِّيق أبو بكر رضي الله عنه العرب وصفاً بليغاً حين قال: العرب قوم فيهم غِرَّة.. والغرة هي الغفلة.. والغافل يفاجئه كل شيء فيفقده صوابه.. لأن كل شيء يأتيه علي غِرَّة أي “علي غفلة”.. لذلك تطيش رميته. و”يلوش”.. ويضيع منه الرشد في الحكم علي الأمور.. ويتصرف بلا وعي ولا فهم ولا روية. ويحكمه الانفعال والغوغائية. وطريقة “خذوهم بالصوت ليغلبوكم”..
والمفاجأة أو الغرة هي سبب فقدان العربي وقاره واتزانه فرحاً أو حزناً.. يتطرف في فرحه. ويبالغ في حزنه. فيضيع الوقت ويتبخر الإنجاز.. وقد حدث هذا في ذلك الذي نسميه ثورة.. فقد فاجأ الحدث نظام مبارك.. وفاجأ الثائرين أيضاً.. ففقد نظام مبارك توازنه حزناً وسقط.. وفقد نظام التحرير توازنه ورشده فرحاً فسقط أيضاً.. وفقدت مصر كلها رشدها فرحاً أو حزناً وتوشك أن تسقط.. نواب البرلمان مازالوا غير مصدقين أنهم نواب. وأنهم علي مقاعد البرلمان. لذلك سننتظر طويلاً حتي يتوازنوا. ويستعيدوا الرشد.. ولا أظن أنهم قادرون علي ذلك. لأن المصري أو العربي عموماً يعجز عن الخروج من حالتي الحزن أو الفرح بسرعة.. وعندما يخرج يكون الوقت قد فات. والإنجاز قد ضاع.. مصر كلها تعيش الآن حالة “السكرة”.. سكرة الحزن أو سكرة الفرح. ولا أظن أننا سنعيش حتي نري ذهاب السكرة ومجيء الفكرة.
والانفلات في مصر الآن ليس انفلاتاً أمنياً فقط. لكنه انفلات عام.. انفلات سياسي وماسورة مرشحي رئاسة “ضربت” وانفلات مطلبي أو فئوي. وانفلات برلماني. وانفلات جنسي. وانفلات ديني. وانفلات كفري أو إلحادي. وانفلات إعلامي وصحفي. وانفلات بلطجية ومجرمين وألتراس. وانفلات ائتلافات واتحادات وأحزاب.. وكل هذا له عنوان واحد يجمعه هو الغِرَّة. أو السكرة التي تأخذ الوطن كله إلي الهاوية.. هناك ماسورة أبطال وحكام “ضربت” أيضاً في البلد.. والسكرة التي لا تبدو لها فكرة جعلت الحكام في بلدي عشرة أضعاف المحكومين.. ونحن عندنا فائض حكام وزعماء يمكن تصديرهم إلي الدول التي ليس لها حكام.. انظر إلي مكان عملك.. إلي شركتك أو مصنعك أو مؤسستك. تري سيلاً عرماً من القادة والحكام والرؤساء والمنظرين.. تري ألف أمير ولا تكاد تري من يربط أو يسوق الحمير.. أي خلية في بلدي بها ألف ملكة نحل علي شغالة واحدة.. ألف عمدة علي خفير واحد إن وجد.. ألف خولي علي فلاح واحد إن وجد.. وكل هذا باسم الثورة. وهو في الحقيقة باسم السكرة التي لن تأتي بعدها فكرة.
وإنني في غاية الدهشة من بيان الدكتور الجنزوري في مجلس الشعب إذ يصب اللوم علي الدول العربية والأجنبية التي لم تقدم المساعدات الموعودة لمصر.. وأحيله إلي رسول هولاكو قائد التتار في فيلم “وا إسلاماه” عندما جاء إلي مصر وسأل عن أيبك وأقطاي وشجرة الدر. فقيل له إنهم ماتوا.. فقال: “وأكلم مين لما أحب أخاطب شعب مصر”؟!
مصر الآن في حالة صوملة. فمن الذي أصابه الجنون حتي يعطي أمواله لبلد “متصومل”؟!.. يقدم المساعدات والمعونات لمن؟!.. “يدي مين لما يحب يساعد شعب مصر”؟!.. لا أحد يعرف رأس مصر من رجليها. وبالتالي لا يعرف من أين يمسكها ويقودها.. عندما نتحول جميعاً إلي سفهاء. فإن من حق أي دولة ألا تعطينا. أو تدفع إلينا أموالها.. فلا تلوموها. ولوموا أنفسكم.. ومسألة السفاهة ليست مالية فقط.. هناك أيضاً السفاهة السياسية. والسفاهة الإعلامية.. الناس في بلدي أخذتهم السكرة بعيداً جداً.. “اقرصني علشان أصدق”.. وعندما يريدون اختبار ما هم فيه. وهل هو حقيقة أم خيال.. وهل سقط فعلاً نظام مبارك؟!.. يبالغون في السب والشتم وادعاء البطولة ليتأكدوا أن نظام مبارك انتهي ولن يزج بهم في السجون.. وفي حالة السكرة يكثر الكذابون و”الهجاصون” الذين يقولون عبر الفضاء إنهم حذروا مبارك. وإنهم تلقوا اتصالات استغاثة من علاء مبارك ضد أخيه جمال.. والكلام في مصر ليست عليه جمارك ولا ضرائب. “خذ راحتك. فلن يكذبك أحد. ولن يرد عليك”.. شهودك كلهم ماتوا. أو في السجون. فلا تقلق و”انخع” كما يحلو لك.

اقرأ ايضاً صفحات رأي متعلقة على جريدة احداث اليوم:

اضيف بتاريخ: Wednesday, February 29th, 2012 في 09:31

كلمات جريدة احداث: ,

2 رد to “حال مصر الان”

  1. محمود محمد فهمي أبو الخير
    06/03/2012 at 10:33

    إبشرك ياأخي أسباب التوافد على ميدان التحرير أنتهت ؟؟؟!!!لماذا ؟؟؟!!! أولا : الفلوس والمعونات الخارجية لمنظمات المجتمع المدنى اتمنعت بسبب فايزة أبو النجا وعينها الحسودة ز ثانيا: حبوب الهلوسة والمخدرات قلت بسبب حركات اللواء إبراهيم السلفي منه لله . ثالثا : الحملات التفتيشية على الخيام فى التحرير ومنع الإختلاط بين الجنســين منعت الشباب الحيران الملئ بالحيوية من تفريغ شحنة الحنان داخل الخيام فى نقاشات أمتدت إلى التحاورات الجسدية بدون أصوات

  2. أشرف صقر
    29/02/2012 at 21:02

    العايـط فـي الفايـت نُقصـان عقـل
    نعـم لابـد أن تذهـب السكـرات
    نعـم لابـد أن تتكـون الفكـرة
    العايـط فـي الفايـت نُقصـان عمـر
    نعـم العايـط فـي الفايـت مضيعـه للوقـت .

اترك تعليقاًً على هذا الرأي