زينات ابراهيم

احداث مصر

طبيب نفسي لكل مواطن

ذهبت تشكو إليه أحوال أسرتها التي تبدلت بعد الثورة.. فزوجها أصبح عصبي المزاج حاد الطباع ساخطا متأففا لايعجبه أحد أو تصرف.. يلعن الجميع عن وعي وفلسفة فقد خلعوه من منصبه ولم يعد قادرا علي فرض رأيه علي أحد فأخذ يمارس سلطته المسلوبة علي من يعيشون معه في البيت.. لايحب أن تكون أفكارهم أوتصرفاتهم غير ما يري ويعتقد.. يطالبهم بترشيد الانفاق وقطع علاقاتهم الاجتماعية مع الأهل والجيران والأصدقاء بل أصدر فرمانا تعسفيا بطرد الطباخ والسفرجي والخدم والسائق الخاص والاستغناء عن كل مظاهر الترف والأبهة خوفا من أن يتذكره أحد هؤلاء الذين تفرغوا لحرمان فلول النظام من ثرواتهم التي حصلوا عليها سحتا وظلما وعدوانا.
كان المصباح يرتعش مرسلا أضواء متراقصة علي جدران الغرفة الغارقة في الدموع والآهات ولا تزال مريم تحكي كيف سقط ابنهما الوحيد فريسة للحزن والاكتئاب والانطواء بعد صدمته في رفاقه الثوار وخيانات أدت بهم إلي الفرقة والتمزق والتلوث حسب ما تمليه عليهم مصالحهم وطموحاتهم المؤقتة وكانت تشجعه سرا علي مناصرة الثورة وأهدافها لهزيمة الظلم والاستبداد.. وتقف دوما إلي جانبه تدافع عن حقه في اقتناء الكتب التي يرغب ويريد والمشاركة في الأنشطة الثقافية والاجتماعية. فقد أمضت صباها في بيت لا يعترف بالعلم والثقافة. تحكمه تعاليم وطقوس دينية شكلية حيث التقيد الصارم بالمحرمات والتمسك بالتقاليد والممارسات المثيرة للسخرية. فهي ابنة رجل دين متشدد يركع لله. يصلي السنة والفرض. لكن أصابعه لاتركع في جيوبه ركعة واحدة فيعطي مستخدميه حقوقهم المالية. يمتلك العمارات الشاهقة وفي كل عمارة يبني مصلي ليس لوجه الله وإنما ليشتري العمارة الخامسة والسادسة ويبني مصلي أخري تستقطب المصلين للانضمام للجماعات الاسلامية.. وقد أخبرتهاجارتها أنها سمعت الشيخ هناك يكفر الليبراليين ويحرص المسلمين علي عدم التصويت للمرشحين المسيحيين. وقد نقلت اتهام الجارة لأبيها فأنكر تماما مؤكدا أنه انما ينشد سلامة العقيدة ووحدتها بالتفاني في عبادة الله والزهد الحقيقي في مباهج الحياة الدنيوية!
لقد هربت من ازدواجية أبيها الذي تناقض أقواله أفعاله إلي ازدواجية زوجها الذي يتحدث في المجالس العلنية عن انتصاره للثورة ولحقوق الفقراء والقضاء علي البطالة والظلم والاستبداد. بينما في البيت يلعن الثورة ليل نهار وهؤلاء الشباب الذين ابتدعوها وحرموه ورفاقه من الامتيازات والنعم التي أغدقها عليهم رجال النظام السابق.
صمت الطبيب طويلا ونصحها بتناول المهدئات التي تساعد علي الهروب إلي النوم حتي تستعيد توازنها النفسي والعصبي. فهي ليست الوحيدة فزبائن عيادته النفسية معظمهم من الأثرياء القادرين علي دفع روشتة العلاج النفسي. بينما الشعب كله يعاني من الأمراض والعقد والاضطرابات النفسية.. الشعب كله مرضي مرهقين ومعقدين وأعصابهم ضعيفة وربما محترقة.
الشعب يحتاج طبيباً نفسياً لكل مواطن يجعله قادرا علي التفاؤل والتكيف مع الواقع المرير فلم يتغير شيء بعد ولم تحقق الثورة مطلبا واحدا ولا بادرة أمل تلوح في الأفق تبشر باستعادة الحقوق المسلوبة مثلما لم يخترع الطب النفسي بعد دواء يعالج النفوس من الأنانية والكذب والخداع والفساد والاستبداد؟

اقرأ ايضاً صفحات رأي متعلقة على جريدة احداث اليوم:

اضيف بتاريخ: Thursday, November 10th, 2011 في 01:59

كلمات جريدة احداث: ,

اترك تعليقاًً على هذا الرأي