بقلم الدكتور عبد الرزاق المؤنس

احداث مصر

تفرقة وطائفية وأنانيات مصلحية

إن الله عز وجل لم ينزل الدين والشرائع على عباده جميعاً إلا ليتعافوا من أمراض التفرقة وجاهليات العصبيات والمصالح الخاصة المستأثرة غير المتعاونة وجعل الدين وشرائع أنبيائه جميعاً خير عافية وعلاج لكل خلاف أو خصومات أو تفرقة أو عداوة أو بغضاء ولو كان ذلك بين المؤمنين والكافرين أو المشركين مادام كل منهم يقوم بدوره في الحياة وفي بناء حضارتها على العلم والمعرفة وعلى رعاية حق الحياة وحق العيش الآمن المشترك وعلى العمل النافع الذي يعود بفائدته على الوجود كله من غير عدوان على القيم وعلى أخلاق التواصل والإحترام المتبادل وعلى السعي في تحقيق الخير من غير أن يتدخل أحد في قهر أحدٍ غيره على عقيدته أو شريعته أو مذهبه أو حزبه أو في إكراهه على اعتناق رأيه وطريقته فقد قال الله تعالى : ( لا إكراه في الدين ), وقال في دعوة الرسالة العالمية للقرآن الكريم : ( فذكر إنما أنت مذكّر لست عليهم بمسيطر ), وكذلك : ( وماعلى الرسول إلا البلاغ المبين ), وقد قال لرسوله العالمي الذي أرسله رحمة للعالمين محمد صلى الله عليه وسلم : ( ولو شاء ربك لآمَن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تُكرِهُ الناس حتى يكونوا مؤمنين ), وإن في هذا الكلام الرباني وفي أمثاله توجيه إلى الناس بأن لا يتدخلوا في حكمة الله تعالى بتوزيع الناس واختلافهم في الإيمان أو في الدين أوفي غير ذلك من المذاهب والطوائف, أما ما يثور بين حين وأخر من فتن على منعرجات الطائفية الدينية أو المذهبية تصل إلى حِدّة التباغض والتقاتل فهذا من أخطر الانحرافات الكافرة بدعوة القرآن وبدعوة رسالات السماء قبله وهو جاهلية شيطانية بغيضة قد حذر منها الدين نفسه وأنكرها أشد الإنكار من خلال توجيهات الرسول محمد عليه الصلاة والسلام وكذلك ما كان من دعوات وعظات ونصائح حقيقية ترسخت في التوراة والإنجيل ومادعت إليه كل تلك الرسالات من الحض على نشر المحبة والسلام واحترام الإنسان, وأن هذا الإنسان هو صنيعة الله تعالى وصورة خلق الله في الأرض, ولما مرت جنازة ليهودي أمام النبي محمد صلى الله عليه وسلم وهو بين أصحابه نهض ووقف احتراماً لها: فقيل له : يارسول الله إنها جنازة يهودي ؟!, فقال لهم موجهاً ومعلّماً : أليست نَفساً !!!؟, كذلك فقد جاء في الأحاديث الصحيحة عنه صلى الله عليه وسلم : ( من آذى ذمياً فقد آذاني ), ومعلوم أن الذي يؤذي رسول الله كما جاء في القرآن هو ملعون, ثم جاء أمره ووصيته بالأقباط في مصر بكل خير واحترام وبأن لهم عند رسول الله ذمة ورحما, وفي هذا إشارة إلى السيدة مارية القبطية زوج النبي صلى الله عليه وسلم , وهو ماأكده الخليفة الثاني العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما بلغه أن واليه على مصر عمرو بن العاص قد ضرب قبطياً فحضر عمر بنفسه إلى مصر وأنتصف بالعدل لمصلحة القبطي وطلب من القبطي الفتى أن يجلد ولد عمرو بن العاص كما جلده وأضاف إلى ذلك أيضاً دعوة الخليفة عمر له بأن يُعلي السوط على صلعة عمرو قائلاً له إن ابنه ما ضربك إلا بسلطة أبيه !!…..
هذه هي حقيقة الرسالة الدينية وحقيقة الإيمان وحقيقة الدعوة الإسلامية العادلة الرحيمة, فأي دين هذا وأي معرفة وأي احترام اليوم فيما شهدناه من الفتنة الطائفية المصرية أو غير المصرية ؟؟! إن الدين وإن الإسلام وإن الله تعالى ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم وإن موسى وعيسى عليهما السلام هم بريئون من كل هؤلاء الطائفيين والمثيرين للفتن باسم الدين, ولعل مسؤولية هذه الفتن إنما يتحملها المقصرون من رجال الدين في الأزهر الرفيع الحافل بتاريخيه العلمي والفقهي والثقافي وتاريخ من كان فيه من عظماء العلم والفقه والدين والفتيا لينطق ببطء دوره وترهل وظيفته نحو رسالة الوحدة الإنسانية والتأليف الاجتماعي والوطني ودعوة الوعي على مستوى مصر أم الدنيا التي لا تزال في نظر الأمة العربية والإسلامية المركز الحضاري الاستراتيجي لرسالته الرحيبة في الإيمان وفي تخريج العلماء الربانيين وفي الذود عن حمى التدين وربانية الرسالة الإسلامية العالمية الرحيمة, وإن ماوصلت إليه اليوم من عزة الثورة الشبابية الشعبية إنما هو تطور في الفكر وفي الكرامة الوطنية والاستقلال الدولي الذي يرفض أي ثقل استكباري أو إسرائيلي جثم على الأرض وعلى العقول وعلى القدرات والطاقات المادية والاجتماعية حيناً معلوماً من الزمن , فمصر الآن في نهوض حضاري كريم عزيزٍ وواعد , وما إنشغالها بالفتنة الطائفية وتغرير بعض البسطاء والجهال وتحريضهم ليوقدوها ناراً ودماً إلا دور آخر خبيث للشيطان الاستكباري والإسرائيلي, فكلنا يعلم من المقدمات الثقافية التحذيرية المشتهرة للاستعمار أن أعظم مايؤرق هذا الاستعمار ويهدد مخططاته في العالم الإسلامي القرآن والحج والأزهر , ولا يحتاج هذا الأمر إلى تعليق لأن هذا الاستعمار وكل الفتن والدعوات التآمرية للقضاء على الإسلام والمسلمين وعلى نهضة الشعوب العربية والإسلامية وللقضاء على الدور المصري الرائد من أجل جعل هذه الشعوب مستهلكة ولنهب طاقاتها وبترولها وخيراتها ولتسويق الإنتاج الغربي فيها حتى تبقى مستعبدة له ولثقافته ولصادراته مهما كانت, وللإخلال بالثقة المتعززة في الشعوب العربية والإسلامية حتى نجح في تقوية ثقة هذه الشعوب به وبحضارته وويلاتها المؤسفة, ألا فلنتفق جميعاً على الاحترام الأخوي الإنساني لننعم جميعاً بطمأنينة الحياة إن كنا حقاً مؤمنين, ولنستمع بكل أدب ونصح و اهتمام إلى كلام النبي محمد صلى الله عليه وسلم وهو يخاطب أمته بعد أن ظهرت بعض جاهليات الأنانية والتفرقة العصبية التي تحمل بذور الفشل للجميع: ( دعوها فإنها مُنتِنَة ) وصدق الله في قوله عز وجل : ( ولا تنازعوا فتفشلوا ).
من سوريا نتقدم للشعب المصري العظيم بالدعاء لكم بالتوفيق والازدهار .

اقرأ ايضاً صفحات رأي متعلقة على جريدة احداث اليوم:

اضيف بتاريخ: Thursday, May 19th, 2011 في 15:47

كلمات جريدة احداث: , ,

ردود to “تفرقة وطائفية وأنانيات مصلحية”

  1. قبطي
    20/05/2011 at 01:24

    بلادنا مصر لنا معا كما عشنا عليها وتعيش فيناكلنا فيها نحترم بعض الا من فبل ان يسمع لمن يدفع له ويفسر له باحقيته وحده في الحياه دون غيره هؤلاء ستعلمهم الحياه قبل عقاب الله لهم بانهم احياء بالناس وبمحبتهم لهم وعلاقتهم الحميمه معا مهما اختلفو معه في الفكر او العقيده ومن لايؤمن بذلك لااعتقده ينتمي لدين سماوي لان السماء اول مبادئها من لا يؤمن بالمحبه لا يؤمن بالله لان الله محبه

اترك تعليقاًً على هذا الرأي