سعد هجرس

انتخابات مجلس النوب

الانتخابات .. وثقافة الاستهانة

أحد عشر يوما فقط لا غير.. تفصلنا عن اليوم الموعود. حيث من المفترض أن يتجه المصريون الي صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في أول انتخابات برلمانية بعد ثورة 25 يناير. وبعد عقود طويلة من تزوير إرادة المصريين و”طبخ” الانتخابات وكان هذا التزوير الفج. أحد الأسباب الرئيسية لعزوف الغالبية الساحقة من المصريين عن المشاركة السياسية بكافة صورها. وفي مقدمتها العزوف عن المشاركة في مهزلة الانتخابات.
بيد أن تحالف الاستبداد والفساد الذي حكم البلاد وتحكم في العباد في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك استمرأ الاستخفاف بإرادة المصريين ووصل هذا الاستخفاف إلي درجة “الاستهانة”.
وهذه الحقيقة المريرة الأخيرة. مثلما كانت أحد أسباب الاستقالة الجماعية للمصريين من الاهتمام بالشأن العام سنوات وعقود طويلة فإنها كانت السبب في اندلاع ثورة 25 يناير. وهذه هي الفكرة المهمة التي رصدها الدكتور سمير نعيم أحمد. أستاذ علم الاجتماع المرموق وأحد العلماء الذين أثروا البحث السوسيولوجي العربي علي مدار أكثر من نصف قرن بالعديد من الكتب والدراسات النقدية الهامة. و هذا الاسهام الأكاديمي النزيه والشجاع يضع الدكتور سمير نعيم عن جدارة واستحقاق ضمن كوكبة صناع الثورة أو الغارسين لبذورها. وفي أحدث كتبه الذي صدر منذ أيام عن دار “انسانيات” بعنوان “ثورة 25 يناير وثقافة الاستهانة” يري أن المصريين يثورون مثل غيرهم من شعوب العالم عندما تبلغ درجة استهانة نظام الحكم بهم كبشر حدا لا يمكنهم تحمله والصبر عليه. وعندما يتسع نطاق استهانة النظام الحاكم ليشمل كل مقدرات الوطن وامكاناته ومكانته وأيضا تاريخه وحاضره ومستقبله فنصبح إزاء ثقافة الاستهانة التي تشكل تهديدا لبقاء المجتمع واستمراريته. حينئذ يفقد الحاكم ونظامه مشروعيته.
وتطبيقا لهذا المفهوم يري الدكتور سمير نعيم ان القاسم المشترك بين ثورة 23 يوليه 1952 وثورة 25 يناير 2011 هو “ان السبب الرئيسي لقيام الاثنين هو استهانة النظام الحاكم بالانسان المصري ومقدرات الشعب ونشره لثقافة الاستهانة بحيث تصبح نمطا للحياة في المجتمع” وتفسيرا لذلك يري عالم الاجتماع الكبير أن أوضاع مصر عشية 25 يناير عام 2011 تتشابه مع أوضاعها عشية 23 يوليه 1952 من حيث وصول الاستهانة بالانسان المصري ومقدرات الوطن مداها. فقد انتشر الفساد في كل مناحي الحياة في مصر وأصبح فسادا مؤسسيا وبلغ الفساد السياسي مداه حتي وصل الي التزوير العلني لانتخابات المؤسسات التشريعية والي فجور أعضاء مجلسي الشعب والشوري من الحزب الوطني وارتكابهم جرائم الرشوة ونهب أموال البنوك بالقروض والتربح من مناصبهم.
***
وبوضع هذه التجارب المريرة في الاعتبار فانه كان من المفترض ان يكون اجراء أول انتخابات بعد الثورة وبعد اجبار الرئيس السابق حسني مبارك علي التنحي ثم دخوله قفص الاتهام. ودخول كبار ترزية القوانين ومهندسي تزوير الانتخابات الي سجن مزرعة ليمان طرة.. كان من المفترض ان تكون هذه الانتخابات عيدا وطنيا مبهجا.
لكن الملابسات المحيطة بهذه الانتخابات المنشودة أطاحت بالفرحة وزرعت الشكوك بدلامنها. لدرجة جعلت الكثيرين يظنون وليس كل الظن إثم أنها لن تبدأ أصلا. وإذا بدأت فانها لن تكتمل. وإذا اكتملت فإنها لن تكون معبرة تعبيرا حقيقيا ونزيها عن إرادة الأمة فضلاعن أنها ستكون معرضة للطعن في عدم دستوريتها. ومن ثم لالغاء البرلمان الشائه الذي أسفرت عنه.
وغني عن البيان انه ليس المهم فقط اجراء الانتخابات. وإنما الأهم أيضا أن يكون هناك “رضا” جماعي عن نتائج هذه الانتخابات. و”ثقة” في هذه النتائج من جانب المهزومين قبل الفائزين.
فما بالك وان هذه الانتخابات التي نساق إليها بعد أحد عشر يوما تجري في ظل انفلات أمني لم تشهد البلاد له مثيلا. فضلا عن أن هذه الانتخابات تجري وفق قواعد ليست فوق مستوي الجدل أصلا. أن لم نقل أنها كانت ومازالت موضع معارضة الغالبية الساحقة من “اللاعبين” والأعجب هو السماح لقيادات حزب حسني مبارك بدخول المعمعة مسلحين بكل المزايا التي ورثوها. أو نهبوها. في ظل نظام الاستبداد والفساد وهو أمر لم يحدث في أي ثورة في مشارق الأرض ومغاربها. وكان الوضع الطبيعي أن يتم إصدار قانون للعزل السياسي لكل من ساهم في إفساد الحياة السياسية قبل 25 يناير.
ورغم ان حكومة الدكتور شرف أعلنت مرارا وتكرارا ان هذا القانون سيصدر في غضون ساعات إلا أن الشهور مرت دون أن يتحقق هذا الوعد الحكومي ودون أن يحسم المجلس الأعلي للقوات المسلحة هذا التردد.
والنتيجة أننا أصبحنا علي مشارف انتخابات لن يكون مفاجئا أن تسفر عن برلمان يهيمن عليه فلول حزب حسني مبارك.
فهل لهذا مسمي أخر سوي ذبح الثورة بسلاح الانتخابات؟!

اقرأ ايضاً صفحات رأي متعلقة على جريدة احداث اليوم:

اضيف بتاريخ: Thursday, November 17th, 2011 في 06:33

كلمات جريدة احداث: , ,

اترك تعليقاًً على هذا الرأي