تحليل للوضع

احداث ليبيا

مقارنة لمجريات احداث ليبيا مع الثورة المصرية

أولاً وقبل كل شيء، ينبغي أن توضع الأمور في نصابها الصحيح ويعطى كل ذي حقٍ حقه. السيد الأخ العقيد معمر القذافي قائد الثورة الليبية (أو بالأحرى الإنقلاب العسكري 1969) له وعليه مثله مثل كل رجال التاريخ. لكن بعض الأشخاص يخطئون حين يسوون مصر بليبيا ومعمر بحسني مبارك، مخطئون تماما. القذافي ديكتاتور، نستطيع أن نقول ذلك، لكن هل هو مفسد أو شرير؟ هل يرغب الليبيون في رئيس يصف نفسه براعي الديموقراطية لكنه يبدأ في تفكيك بلادهم إلى حطام متناثر؟ لقد ترك لنا رئيس طالما وصف بالحكمة والخبرة والحزم والقدرات الخارقة مصراً متهرئة مهلهلة من نخر الفساد فيها حتى النخاع. مصر دولةٌ جدير أن يضاف بعد اسمها (عظمى) لكن رئيسها الأخير حولها وباقتدار لمصر الشحاتة، في حين أن القذافي رئيس الدولة التى لا يتجاوز عدد سكانها 6 ملايين نسمة قد قام بإصلاحاتٍ داخلية لا تنكر، وسيترك بعد رحيله مواطنين لديهم كل مقومات العيش الرغد والحياه الكريمة، حتى حصصهم في البترول ضمنها لهم فلم نسمع قبل الآن برئيس دولة يوزع البترول على شعبه في صورة حصص.
على الصعيد الخارجيّ، نجد أن القذافي، على عكس مبارك وغيره، رجل مواقف يتمتع بقوة وثبات وتصميم. ففي حين يتقمص بعض القادة العرب دور الرجال الأشداء الحكماء يسقط قناعهم الزائف أمام قدرة القذافي على القيادة بنجاح. هذا الرجل صد موجة استعمارية عالمية مؤكدة معقودة في أذناب قضية لوكيربي وبفضل الله أخرج بلاده من مصيدة لوكيربي بنجاح باهر. ناهيك عن حادثة دخوله مقر الأمم المتحدة لأول مرة، ومصارحته لقوم الأمم المتحدة بحقيقتهم في شجاعة وصراحة غير مسبوقتين. أضف إلى هذا كونه مختلف ومسلٍ جداً على عكس أغلب قادة العالم. نعم يجب أن تحتسب للقائد نقاط إضافية تحت بند تسلية الشعب بل العالم أجمع والله!
الثورة في مصر ليست كالثورة في ليبيا بكل المقاييس، الفساد في مصر ليس مثل الفساد في ليبيا (ولا أي دولة في العالم)، الفقر في مصر ليس مثل الفقر في ليبيا (فقر في ليبيا؟)، الأمراض المتفشية بين المصريين لا تقارن لا بليبيا ولا غيرها، تدني الأجور، سرقة الأراضي والاموال، إهانة الشعب محليا ودولياً ورخص الدم المصري في كل بلاد العالم، الاستخفاف بالناس ومطالبهم وطموحهم، إلى آخر القائمة. لهذا أتساءل، لماذا ثار الشعب الليبي؟ الإجابة محيرة فالليبي ليس لديه مبررات للثورة مثلما للمصريين الذين ملأت مظالمهم الأرض. الرئيس الليبي لم يخلف ثلاثة ملايين طفل شارع وخمسة ملايين ساكن مقابر و45 مليون إنسان تحت خط الفقر. الرئيس الليبي خلف مشاريع تنموية عملاقة وواجهه سياسية قوية وأمن وخدمات أساسية لمواطنيه. غير كل ذلك فإن المصريين قد عانوا طويلا في المطالبة بالتغيير بصور سلمية وسياسية وحقوقية وأدبية وصحافية واستمر كفاحهم ومطالبهم سنينا عديدة والأوضاع تنتقل من سيء إلى أسوأ.
يجب أيضا أن نفرق بين طبيعة الشعب الليبي و المصري، وبين طبيعة المحتج الليبي والمصري، وبين طبيعة القائد السياسي في ليبيا ومصر. الشعب المصري ليست له الطبيعة القبلية التي تطغي على نسبة كاسحة من الليبيين، وبالتالي لا تصلح لمصر أية قيادة تتعامل من منطلق القبلية. الحاكم القبلي هو كبير القوم الذي يسود بينه وبين قبيلته احترام وتبجيل متبادل، ويمكث بينهم حتى يقضي فتنتخب القبيله خلفاً له. هذا هو منطلق تعامل القذافي مع شعبه… الأجيال الجديدة ملت هذا الوضع ، وفي غمار الثورات المتتالية في العالم العربي لم يفكروا كثيرا: هل يتطلعون إلى حكومة حديثة تنقلهم نقلة نوعية هائلة قد تبدأ بعدها في تضليلهم وإفقارهم وتعويدهم على الإذلال والتراجع باقتصادهم وزراعتهم وصناعتهم إلى أخره، أم يقبلون بحاكما قبلي النزعة يتصف بالديكتاتورية – التي هم من سمات حكم القبيلة- لكنه ذا رؤية فيحفظ مصالحهم وينمي بلدهم ويصون كرامتهم تاركا بلدهم بلا ملامح سياسية واضحة قد تودي بها إلى الهاوية بعد موته؟
أين الخطأ؟
خطأ القذافي القاتل يتمحور في أمرين. الأول أنه “أخذ شعبه كما هو بعبله”. أنت شعب تسود فيك طبيعة العشائر، إذن ستعيش وتموت قبلي، أصل أنا زيكم بالظبط رجل قبلي أحب ما أنا عليه.
الولاء القبلي ليس عيبا أو حراما بل هو ميزة، لكن كان يجب على القذافي أن يمد نظره إلى ما هو أبعد من ذلك. كان عليه أن يفكر في الجيل المتعلم المثقف الواعي الذي يفكر في مستقبل ليبيا الآن وينظر للعالم ومتغيراته ويتحسر على 40 سنة من الركود ويقلقه السبات الليبي في أمور التطور والتثقيف السياسي والتنمية البشرية ومعالم الديموقراطية واحداث نقلة حضارية تطول الشعب الليبي كله ليس فقط للطبقة الرفيعة من مثقفيه ومفكريه. الأخ العقيد اعتقد بفكره القبلي أن الشعب لا يحتاج أكثر من الطعام الجيد والمشرب والمسكن والمال الوفير وتعليم وخدمات جيدة. لم يضع في حسبانه أن هذه الميزات سترتقي بنظرة شعبه فوقه…لم يحتسب لآن الشعب أيضا يحتاج لآن يتنفس هواء الديموقراطية و الحرية وانحلال قيود شيخ القبيلة. لم يعلم أن شعبه وصل لمرحلة الاستحالة من شرنقة إلى فراشة. هذه هي الغلطة الأولى التى دفع القذافي ثمنا غاليا بتغافلها.
خطؤه الثاني هو تعامله القمعي مع المتظاهرين والمحتجين. لقد تعامل القذافي مع حدثٍ يبث في كل محطات التلفزة ويشد انتباه العالم أجمع وبدأ بأخذ بعدٍ دوليّ بمنطق القائد القبلي الديكتاتور، فإن ارضيت العشائر بتصرف يتوقع من قائد قبلي، فكيف يرضى العالم؟ بل إنه كما ذكر سابقاً لم يعد الليبييون يرتضون بالديكتاتورية القبلية ويتطلعون لمجاراة العالم في ديموقراطيته حتى وإن كانت في معظمها وهمية. من جانب آخر، كيف يرضى القذافي بقتل أبناءه بهذه الصورة وهل لم تتفتق عبقريته عن بدائلٍ أخرى؟
في سياق الحديث عن هذا الخطأ الثاني يجدر ذكر حقيقتين أساسيتين أولهما أنه في حين جاءت الثورة المصرية على حين غفلة من القوى العالمية التى تحرص على السيطرة على الأوضاع الداخلية في دول الشرق الأوسط، واضطروا وسط هذه المفاجأة إلى تدبير خطط عاجلة لتحقيق اسمرارية هذه السيطرة، فإن الوضع في ليبيا فمختلف. فرضية تدخل عناصر أجنبية في اثارة الوضع هناك أمر محتمل جداً، والقوى الخارجية التي لطالما ترصدت لليبيا وحاولت الإيقاع بها باختلاق أحداث لوكيربي لن تجد فرصةً أسنح ولا أفضل من هذه لتفوز بكل شيء:- تبعد القذافي عن الساحة العربية وتسيطر على الساحة الليبية وتحاصر مصر من الشرق (إسرائيل) والغرب (ليبيا) والجنوب (جزئياً بعد تقسيم البلاد وكليةً إن تم افتعال أمر ما للتدخل في السودان). لذلك، وبسبب وجود مؤشراتٍ عديدة آخرى، فإن نفي تدخل عناصر أجنبية بدون أدلة ليس مقبولاً.
الحقيقة الثانية التى أدت إلى أن تصير الأمور لما هي عليه الان هي –للمرة الثانية- ارهاصٌ من ارهاصات القبلية السائدة في البلاد، ألا وهي الشعب المسلح. على عكس المصريين الذين خرجوا للاحتجاجات متسلحين بيافتات ورقية ونكات وروح معنوية مرتفعة، فالليبيون شعب آخر من الشعوب العربية المسلحة، حيث يتوفر السلاح بكثرة في البيوت ومع الأفراد. لذلك إن كان إطلاق الشرطة المصرية الرصاص على المتظاهرين أمراً منكراً ومرفوضاً تماما، فالسلطات الليبية قد أطلقت النار على مسلحين تارة وعزل تارة أخرى. والمعلوم أن الرئيس الليبي نادى في خطابه بتسليم السلاح، ممى يعطى فكرة عن أسباب تزايد الخسائر وعن طبيعة هذه الخسائر… بطبيعة الحال الشرطة والجيش غير مطالبين أن يستقبلوا النيران المعادية بصدورٍ رحبة.
هذه الخواطر إحقاقاً للحق وتحليلا بعيدا عن المؤثرات الخارجية المعادية التى على ما يبدو ينسب إليها الفضل الأكبر في ما يحدث في ليبيا الآن. وإن كان الرئيس القذافي رجلاً صالحا حكيما حقاُ فعليه أن يقوم بالأتي:
-الإعتذار لشعبه عن الخسائر في الأرواح وتكريم الشهداء.
-السماح بعودة جميع وسائل الإتصال المقطوعة عن شعبه فوراً.
-إعلان وقف إطلاق النيران نهائيا في أى منطقة تواجد سكاني وإصدار الأوامر للشرطة والجيش بذلك.
-نزع سلاح الجماعات المسلحة وذلك باعطائهم مهلة طويلة لتسليم السلاح بسلام والوعد بعدم المساس بهم، مع استمرار موقف الجيش بعدم اطلاق نار أبداً على المدنيين والتجمعات المدنية والسكانية حتى مع تواجد مسلحين.
-الإعلان عن انتخابات رئاسية نزيهة مع بقائه (مرشداً روحياً) للثورة والسياسة الليبية، تقديرا لمواقفه الشجاعة وانجازاته التنموية.
-الإعلان عن عدم ترشح أي من أبناءه لرئاسة البلاد.
-البدء فى استبدال القيادات والسياسات فوراً لحين اجراء انتخابات نزيهة.
-سير البلاد نحو تغير سياسي واضح يواكب تطور نظم الحكم في باقي دول العالم.
وأخيراً…
أيها الشعب الليبي الحبيب، فكر مرة ثانية لماذا تثور؟ وهل أعجزتك الطرق الشرعية والسلمية للحصول على ما تريد من زعيمك الذي لا يخلو من محاسن عدة؟ ان كنت ناضلت بصبر فأبشر بموعد القطاف، وإن كنت تتطلع لطفرة فجائية فأنت المسؤول عنها وعن ما تأتي به.

اقرأ ايضاً صفحات رأي متعلقة على جريدة احداث اليوم:

اضيف بتاريخ: Wednesday, February 23rd, 2011 في 22:10

كلمات جريدة احداث: , , , , , , , ,

8 رد to “مقارنة لمجريات احداث ليبيا مع الثورة المصرية”

  1. ضد الحكومة
    13/04/2011 at 18:27

    بصراحة الليبيون دول شعب اهبل كان بيوزع عليهم فلوس معيشاهم ملوك وقانونه انصر اخاك الليبى ظالما او مظلوما ومعلى قيمته فى كل بلد وبيقول راي بصراحة ومن غير خوف بس الليبين شعب اهبل زى واحد متخلف قال ليه الطيارة بتطير وملهاش ريس انا كمان مليش ريس ةهطير فبالتاكيد هيع تتكسر رقبته وهو يستاهل ده

  2. منورة
    28/02/2011 at 02:20

    مش عارف فى ناس بتكلم عن الرئيس المصرى كأنه شهيد ونسو موقعة الجمل والحصان
    احترم شعبه ايه بس ؟

  3. اقوى من المحن
    26/02/2011 at 20:39

    بـــــــــــــــسم ألله ألرحمن ألرحيـمْ
    قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ{1} مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ{2} وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ {3} وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ {4}
    وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ {5}صدق الله العظيم

  4. عربية
    25/02/2011 at 19:52

    الثورة في مصر ليست كالثورة في ليبيا بكل المقاييس، بالطبع وذلك لأن المصريين يحيون الرئيس السابق مبارك بأن لم يفعل بهم مثلما فعل القذافي بأهله وشعبه وتاريخه ثم أن القذافي بهذه الطريقة لن يخلف وراءه كما قلت السلام والأمان والعيش برغد الحياة ولكن سيخلف وراءه الرعب والخوف إذا كان سيخلف مواطنين سالمين أصلا لقد ترك رئيس مصر مصر سالمة آآآمنة بعقله وخوفا على بلده وشعبه من الدمار والخراب وربما الإحتلال فانتبهوا يا شعب هذا البلد الحبيب على بلدكم ويجب أن تستمروا في ثورتكم الشريفة وإذا توقفتم فستجدون قوانين الكتاب الأخضر أمامكم وأنصح الجيش والشرطة أن ينضموا إلى أهلهم وأولادهم وينصروهم وينقذونهم من بطش المرتزقة اللهم انصر جميع الثورات ضد الظلم والظالمين والفاسدين آآآآآآآمين

  5. ؟؟؟؟؟؟؟
    25/02/2011 at 18:37

    هو القذافى اللى بيدمر فى شعبه زى مبارح اللى ساب الحكم حقناا للدماء؟؟
    شوف اللفرق بين التعامل مع الثوره من الرئيس مبارك وبين القذافى
    راجب بيدمر شعب وراجل احترم شعبه
    القذافى قال على شعبه فئران فى خطابه رئيسك السابق لما بيكلم عن الثوره قال (بنى شعبى ) وللعلم انا مع التغييررر ارجو تحكيم العقل وليس الانتقام

  6. تحليل للوضع
    25/02/2011 at 15:42

    اخشى أن تكون في النهاية ثورة الشعب الليبي لمصلحة أعداء العرب والمسلمين….

    كما قلت لكم في المقال الشعب الليببي مخطئ فيما يفعله ليس لآن القذافي لم يخطئ فكل القادة يخطئون بلا أدنى شك، لكن لآن هذا الشعب ليس محصن من الاعتداءات الخارجية والاحتلال مثل الشعب المصري، الذي حدث ثورته بصورة تمنع أى اعتداء خارجي، وليس مثل الشعب المصري لكي يقلده

    الشعب الليبي قد يندم ان لم يتوقف فورا وعلى القذافي أيضا أن يفعل شيئا

  7. هشام فوكس
    24/02/2011 at 05:51

    وفعلا العقيد مسلي علي مستو العالم وتلاحظ كل خطاب يقولو كل الناس بتضحك بس الله اعلم عليه ولا علي الخطاب نفسه

  8. هشام فوكس
    24/02/2011 at 05:49

    يا استاذي العزيز عندما يرحل العقيد معمر القذافي ستعلم لماذ يثور الشعب اليبي

اترك تعليقاًً على هذا الرأي