صالح ابراهيم

انتخابات مجلس النوب

تجربة الحرية والعدالة بـ الانتخابات البرلمانية

تصدر فوز الاسلاميين في الانتخابات البرلمانية.. المشهد السياسي لأول مرة بعد ثورة يناير التي أعادت للشعب حلمه الديمقراطي.. واستوعبت من خلال جدول زمني محدد.. بإشراف كامل للقضاء المصري الشامخ.. أحد الأهداف الرئيسية لثورة يناير.. وكان الشعب عند حسن الظن.. بالاقبال غير المسبوق علي المشاركة السياسية والوقوف في طوابير دوارة حول اللجان الانتخابية من ناحية.. والحرية المطلقة والمسئولة التي تقدمت بها القوي السياسية بالترشيح علي القوائم والمقاعد الفردية.. ثم الاختيار الهادف والشفاف من الناخبين مع خفوت واضح لأحاديث التزوير وبيع الأصوات ومعارك البلطجية.. الخ.. والتي تضاءلت إلي أقصي حد بشهادة كل الأطراف المشاركة والمتابعة لما حدث أمام وداخل اللجان وعمليات الفرز وإعلان النتيجة والتزام اللجنة العليا بالأحكام القضائية بوقف إعلان بعض النتائج.. وإعادة التصويت من الأساس وفقا لتواريخ محددة.
وكان طبيعيا أن تأتي مؤشرات أول برلمان بعد الثورة.. مختلفة تماما عما سبق ان عرفناه.. وأصابنا باليأس علي يد الشريف وعز في خطة لصقوها ظلماً بالمجمعات الانتخابية والاتاوات.. وصدعونا بقنوات الاختيار من قواعد الحزب الوطني الذين هم أساسا بدون حول ولا قوة.. ثم تحدي الشعب الصابر.. وتجاهل علامات الاحتجاج والاستفهام عن التزوير وما يمكن أن يفعله من آثار سرطانية وتفتيت لمستقبله وتخريب لآماله واصلاحه.. وزاد رأس النظام علي ذلك معلنا علي مبادرة المعارضة تشكيل برلمان الظل “خليهم يتسلوا” ليتخلي بإرادته عن أكذوبة ان الرئيس والد المصريين جميعا.. وليس رئيسا للحزب الوطني.. المدخل والمورد الرئيسي للفساد والاستبداد.. لكل أنحاء الوطن.. وكان لابد للناس بعد أن زالت الغمة.. وسطعت شمس الحرية أن يتذكروا الانتخابات الأخيرة وقبل الأخيرة خلال السنوات الثلاثين العجاف.. عندما فاز الاخوان المسلمين بأكثر من 80 مقعدا في الجولة الأولي لمجلس الشعب.. وكان من الممكن أن يصلوا إلي ما يسمح بحكم تداول السلطة لولا تدخل مربع الشر وترزية القوانين.. الذين برعوا في الحديث ونسج الحكايات عن سيد قراره.. وعدم شرعية جماعة الاخوان.. وأجل العادلي وزير الداخلية الأسبق المسئولة وزارته عن العملية الانتخابية والحريصة علي طرد الاشراف القضائي أجل عشرات دوائر الإعادة للاخوان ليجريها في الظلام وبين مرشحي الوطني فقط.. متجاهلا ما حصل عليه الآخرون.
** لذلك وبعد أن انقشعت السحب السوداء.. وخرجت كل القوي السياسية من باطن الأرض.. إلي النور والنهار وحصلت علي حق التعبير ومخاطبة الناس.. وتغيير مفهوم العمل بلجنة الأحزاب بعيدا عن صفوت الشريف.. وألفاظه البليغة التي تشبه المثل المعروف “اسمع قعقعة ولا أري طحنا”.. أصبح لدينا أكثر من 47 حزبا سياسيا.. تقدم بها من تقدم.. تصدرها بالطبع الاخوان المسلمون بإشهار حزب الحرية والعدالة.. مؤشرا علي علاقة جديدة مع شعب مصر.. تقوم علي العطاء والبرنامج السياسي الموحد.. وليس اسقاط الأصوات عليهم.. تعاطفا ضد ممارسات النظام السابق الشريرة ضدهم من اعتقال وتشريد ومحاكمات عسكرية.. الخ “صفحات التاريخ مفتوحة لمن يريد أن يقرأ وكان طبيعيا أن يضم الحزب عددا من الاخوة الأقباط.. حتي الجماعة الاسلامية بفروعها والتي اعتبرت مسئولة عن اغتيال الرئيس السابق أنور السادات بطل الحرب والسلام.. بين جنوده في حادث المنصة.. تقدمت بأوراق حزبها.. وتعددت الأسماء والبرامج مستخدمة ألفاظ.. العدالة.. مصر القومي.. المصريين الأحرار.. النور.. إلخ.. وفتحت الثورة الباب لمن يريد.. من فلول الوطني.. تقدموا تحت عباءة الأحزاب الأخري.. أو ضمن أحزاب جديدة.. ولكن وعي الناخبين اسقطهم.. وربما ليتمكن شباب الثورة من الحصول علي نصيب في مقاعد البرلمان الجديد.. وجاء نجاح بعضهم محدودا ورمزيا.. ربما لأنهم لم يستطيعوا التواؤم داخل ائتلاف قوي وموحد.. يجتذب الشباب عند نزوله للشارع.
** أما حزب الحرية والعدالة.. فقد وفق في اختيار طرفي المعادلة التي قامت من أجلها ثورة 25 يناير وسقط لنفس الهدف الشهداء والجرحي.. ولم يعد الاخوان المسلمون في حاجة لاستفزاز أي قوة.. أو فصيل علي الساحة.. لم يعد الأمر يتعلق بشعار الاسلام هو الحل.. الذي هوجم لاعتبارات كثيرة.. ان الاعداد التي فازت.. والشخصيات التي ستلتقي في العمل البرلماني.. ستكون رمانة الميزان.. الجميع ينتظرون ماذا سيقدم الاخوان من برامج اقتصادية واجتماعية وسياسية.. إلخ.. تجتذب كل الأطياف خاصة مع التأكيد علي توافقية البرلمان والساحة بعد يناير 2011 اختلفت تماما بالنسبة للطرفين عن تعاطف.. أو عدم رضا.. أو اختلاف ورفض لجماعة انشئت عام ..1928 وتخصصت في عالم الدعوة والسياسة من خلال تحالفات وأحداث مؤسفة.. وواجهت اتهامات باغتيالات ومؤامرات تخللتها فترة من العسل والتحالف مع الحكام.. خاصة بعد الثورة.. ثم عادت المحاكمات والاعتقالات لأعضاء الجماعة بالداخل والخارج حيث اضطرت بعض القيادات إلي الاختفاء من مقر المنيل في دول عربية وأوروبية.. ولم يستفد الاخوان من فترة العسل بين السادات والجماعة الاسلامية والسماح لها بالنشاط داخل الجماعات للتصدي لأنصار الاشتراكية ولم يندمجوا في التعددية السياسية.. ولكنهم اكتسبوا صلابة وقوة.. وضحت خلال التعامل مع نظام مبارك من الثمانينيات.. لم يتركوا أسر الكوادر دون مساعدة مستمرة.. وكسبوا تعاطف البسطاء من الشعب بحيث أصبح التصويت لهم دليلاً علي الرفض للنظام السابق الذي شعر دون شك بقوتهم..
اليوم اختيار الحرية والعدالة.. كهدف رئيسي لحزب الاخوان.. رغم النكات علي الفيس بوك.. وقوة الكتلة الاسلامية داخل البرلمان التي تتضاعف بانضمام السلفيين من حزب النور.. والاتفاق المجتمعي من المثقفين والمفكرين انه آن الأوان أن نجرب الاسلاميين وبرامجهم لدولة مدنية قوية وشامخة مع تأثير المد الاسلامي المتزايد في جميع دول الربيع العربي وبصفة خاصة تجربة تونس والمغرب.. وتأكيد الاسلاميين علي الانفتاح علي العالم وعدم التشدد.. والرد العملي علي العلمانيين والقوي الأخري التي تسعي لاستثمار حداثة تجربة الاسلاميين في انتزاع الأخطاء.. ولوي التصريحات وتهديد أهل الفن مثلا بأنه لا مكان للسينما أو المسرح أو السياحة في عالم اسلامي.. وهو ما تكذبه الحقائق في دول اعتمدت التيار الاسلامي ونجحت في المواءمة مع القوي العلمانية “مثل تركيا”.. وكذلك مبادرة الاخوان برعاية الفنون الاسلامية وتصريح السلفيين والنور بمشروعية البورصة ولا ننسي حضارة مصر وكيانها الفريد الذي يستوعب كل الأفكار والتيارات.. والقضايا التي تفرضها المرحلة الانتقالية ثم مرحلة الاستقرار والتغيير.. كل ذلك يدفعنا لإعطاء الفرصة.. لنري ماذا سيصنع الحرية والعدالة في أولي تجاربه السياسية.. بعيدا عني قهر وكر وفر.. استمر ل 80 عاما.. مع كل الأمنيات بالخير.. لمصر الغالية.

اقرأ ايضاً صفحات رأي متعلقة على جريدة احداث اليوم:

اضيف بتاريخ: Monday, January 9th, 2012 في 18:17

كلمات جريدة احداث: , , ,

اترك تعليقاًً على هذا الرأي